استضاف قصر عابدين حفل الجراند بول مساء السبت. وأعاد الحفل إلى الأذهان مكانته كأحد أعظم القصور الملكية في الشرق ورمزًا للنهضة العمرانية في عهد الخديوي إسماعيل. كما أظهر الحدث تواصل المكان مع روح الحاضر ومكانته كمركز تاريخي وثقافي رفيع المستوى.
أصل القصر وتاريخه
أُنشئ القصر في الأصل كمنزل للقائد العسكري عابدين بك، أحد رجال محمد علي باشا. وبعد وفاته، اشتراه الخديوي إسماعيل من أرملته، ثم هدمه وأعاد بناؤه على مساحة تجاوزت 24 فدانًا مع الاحتفاظ بالاسم تكريمًا لتاريخه. صُمم القصر بإشراف المهندس الفرنسي دي كوريل روسو بتكلفة تصميم بلغ نحو 40 ألف دولار، في حين بلغت تكاليف التأثيث أكثر من 120 ألف دولار في ذلك العصر.
صار القصر مقر الحكم الرسمي في مصر من عام 1872 وحتى سقوط الملكية عام 1952. وتوالت الإقامة فيه الخديوي توفيق، ثم عباس حلمي الثاني، والسلطان حسين كمال، والملك فؤاد الأول، ثم الملك فاروق. وكان له دور محوري في الاحتفالات الرسمية وشؤون الدولة، وظل رمزًا للحكومة الملكية حتى نهاية العهد.
يضم القصر 500 غرفة وتزين جدرانه لوحات فنية فرنسية نادرة، كما تتسم قاعاته بتصاميم إيطالية وتركية وفرنسية دقيقة. وتعد قاعة محمد علي الأضخم والأفخم وتستخدم حتى اليوم في الاحتفالات الرسمية الكبرى. ويبرز فيه مسرحٌ ملكيٌ مزين بمئات المقاعد المطليّة بالذهب مع تخصيص بعض مقاعده للسيدات في منطقة الحرملك المخصصة للعائلة وضيوفها.
اكتشف العمال أثناء البناء وجود قبور تاريخية فتم نقلها باستثناء ضريح “سيدي بدران” الذي بقي داخل حدود القصر ليصبح جزءًا من معالمه الروحية والزخرفية. يبرز الضريح كعنصر تاريخي يربط الحاضر بماضٍ عريق في هذا الصرح. ظل وجوده محورًا للذكرى والزيارة ضمن مسارات القصر الملكي.
تضم داخل القصر متاحف ملكية أسسها الملك فؤاد الأول ثم طورها ابنه فاروق، وتضم متحف الأسلحة سيوفًا نادرة ومدافع تاريخية ومنها خنجر القائد روميل. كما يضم المتحف النياشين والأوسمة الذي يعرض أوسمة ملوك ورؤساء العالم وهداياهم للعائلة المالكة، إضافة إلى متحف الفضيات الذي يحفظ أدوات ملكية من فضة وكريستال وصين نادر. تعكس هذه المرافق تاريخ مصر من خلال قطع ثمينة وتوثيقٍ دقيق للمناسبات الملكية.
باب باريس والحدائق الأوروبية
تحيط القصر حدائق بديعة استُقدت نباتاتها من أوروبا، ويُعد باب باريس أبرز مداخل القصر المصنوع في العاصمة الفرنسية وتزيّنه نقوش فريدة. خلف الباب تقف نافورة محاطة بتماثيل أبناء محمد علي باشا تشكل مشهدًا ملكيًا خالد. تمثل الحدائق والمدخل الأوروبي رسالة القاهرة الخديوية وتاريخها الحضري المزدهر.
لم يكن القصر مجرد مقر للعائلة المالكة، بل كان نقطة انطلاق لتحديث القاهرة على النمط الأوروبي، إذ بدأت ملامح العاصمة الحديثة تتشكل من داخله في شوارعها وميادينها وتخطيطها المعماري الخديوي. وتواصل القصر حضورا كأحد أهم المواقع الرئاسية والمواقع التراثية، ليشهد فعاليات رسمية تعيد توجيه الوعي التاريخي وتؤكد استمرارية الهوية المصرية المرتبطة بالنهضة الملكية عبر العصور. كما يعكس وجوده ارتباط القاهرة بماضيها العريق وبطراز حضاري رصين.


