يُعد فقدان الشهية العصبي من أكثر اضطرابات الأكل تعقيداً، فهو يجمع بين ملامح نفسية دقيقة وآثار جسدية واسعة. ينشأ الاضطراب عادة من مزيج طويل من القلق المرتبط بصورة الجسد ومحاولات مستمرة للتحكم في الوزن بشكل صارم. تشير مراجعات علمية حديثة إلى أن فقدان الشهية قد يهدد الحياة إذا تُرك دون تدخل طبي منظم.

أسباب الاضطراب

يتعامل الباحثون مع فقدان الشهية بوصفه نتيجة لتداخل عوامل متعددة، فلا يوجد سبب واحد محدد. يُبيّن الواقع أن وجود استعداد بيولوجي يجعل بعض الأفراد أكثر قابلية لتطوير سلوكيات قاسية تجاه الطعام. كما ترتبط السمات الشخصية كالطاعة الشديدة، والقلق، والرغبة في السيطرة بارتفاع مخاطر الإصابة، ويتضاعف هذا الخطر تحت تأثير الضغوط الاجتماعية كالمعايير الجمالية والتحولات الحياتية. تشير أدلة إلى أن المراهقات والفتيات الشابات هن الأكثر تضررًا، بينما قد يصيب المرض رجال وأفراد من خلفيات متنوعة.

كيف يظهر فقدان الشهية؟

تتبدّى العلامات الأولى في علاقة المريض بالطعام وتقل الحصص تدريجيًا بينما يعتمد أساليب أخرى لتقليل السعرات. يلجأ بعضهم إلى التمارين المرهقة أو استخدام الملينات أو التقيؤ عمدًا بعد الأكل. على المستوى السلوكي، يزداد الانشغال بالميزان وتجنب تناول الطعام أمام الآخرين وتراجع التفاعل الاجتماعي. تترافق هذه العلامات مع مخاطر صحية تتزايد مع استمرار النقص الغذائي وتؤثر في الحياة اليومية للمريض.

تظهر تغيّرات جسدية متعددة كنتيجة للنقص الغذائي، مثل فقدان الوزن الشديد وضعف العضلات والشعور المستمر بالبرد. قد يرافقها تساقط الشعر واضطرابات في ضغط الدم ونبض قلب غير منتظم. مع استمرار النقص، قد تتأثر العظام والكلى والقلب وتظهر اضطرابات هرمونية تؤثر في الإباضة عند النساء وتقلل مستويات التستوستيرون لدى الرجال. كما يرافق ذلك تقلبات مزاجية وانفعال شديد نتيجة الجوع المستمر.

الفحص والتشخيص

لا يعتمد الطبيب على الشكل فقط لتقييم الحالة، بل يجمع التاريخ الطبي ويفحص البدن ويجري فحوصاً مخبرية محتملة للدم والبول وربما يقيّم كثافة العظام وتخطيطاً للقلب. يهدف ذلك إلى تحديد مدى تأثير النقص الغذائي على أجهزة الجسم واستبعاد أمراض قد تُشابه أعراض فقدان الشهية. كما يسهم التقييم العام في وضع خطة علاج مناسبة وتحديد مدى الحاجة إلى تدخلات متقدمة.

طرق العلاج

تُعتمد معالجة فقدان الشهية على خطة متعددة المحاور تبدأ بتأهيل تغذوي يقوده أخصائي لضبط الوزن تدريجيًا وبأمان. في الوقت نفسه، يركز العلاج النفسي على تعديل أنماط التفكير المرتبطة بالصورة الجسدية والطعام عبر العلاج السلوكي المعرفي. توفر المجموعات العلاجية بيئة داعمة وتُتاح فرص مشاركة التجارب، كما قد تكون الحالات الشديدة بحاجة إلى إقامة في المستشفى للحفاظ على الوظائف الحيوية. قد تُستخدم أدوية مضادة للقلق أو الاكتئاب كعلاج مرافق، مع الإقرار بأنه لا يوجد دواء مخصص يعالج الاضطراب نفسه.

المضاعفات والأثر الخطير

إذا استمر الاضطراب، قد يؤدي إلى فقر الدم وتدهور العضلات واختلال الأملاح الحيوية، إضافة إلى ضعف في القلب والكلى. تشير الدراسات إلى وجود مخاطر انتحار أعلى نتيجة العبء النفسي المصاحب، كما يمكن أن يؤثر فقدان الشهية في الحمل باحتمالية الإباضة غير المنتظمة وزيادة فرص الإجهاض والولادة المبكرة. كما قد يلتبس الاضطراب مع اضطرابات أخرى مثل القلق والوسواس القهري، ما يزيد من تعقيد الحالة ويتطلب خطة علاج دقيقة تراعي الأبعاد النفسية والجسدية. وتظهر الإحصاءات أن ملايين الناس يعانون من اضطرابات الأكل خلال الحياة، وفقدان الشهية أكثر شيوعاً بين النساء بثلاثة أضعاف مقارنة بالرجال.

شاركها.
اترك تعليقاً