تعلن الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) في تقريرها الأخير بعنوان “متتبع اتجاهات الاستثمار العالمي” أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر تراجعت في النصف الأول من 2025 بنسبة 3%، وهو تراجع يستمر لسنتين متتاليتين. ويرتبط هذا الانخفاض بتزايد الحذر لدى المستثمرين وسط تصاعد الرسوم الجمركية والتوترات الجيوسياسية، مما أدى إلى تجميد واسع في قرارات الاستثمار عبر قطاعات متعددة. كما تراجعت إعلانات المشروعات الجديدة نتيجة لهذه الظروف، ما أثر سلباً في مناخ الاستثمار العالمي. وتؤكد النتائج أن بيئة الاستثمار أصبحت أكثر حذرًا وتحديًا خلال النصف الأول من 2025.

تطورات الإقليمية الرئيسية

انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الاقتصادات المتقدمة بنسبة 7% في النصف الأول من 2025، رغم ارتفاع التدفقات إلى ألمانيا وفرنسا بفضل صفقات ضخمة. كما تراجعت التدفقات في بلجيكا وإسبانيا والبرتغال والنرويج. ويشير التقرير إلى أن هذه التغيرات تعكس أثر عدد من الصفقات الكبرى وأساليب تمويل مختلفة. وفي المقابل ارتفع الاستثمار في أمريكا الشمالية بنسبة 5%، ما يعكس قدرة بعض الأسواق على تعزيز التدفقات في سياق التحديات العالمية.

صفقات الاندماج والاستحواذ والنتائج

سجلت صفقات الاندماج والاستحواذ عبر الحدود انخفاضاً قدره 18% ليصل الإجمالي إلى 173 مليار دولار. وتم تسجيل أكبر انخفاض في قطاعي الخدمات والتصنيع، بينما ارتفعت عمليات النقل والكيماويات. شهدت صفقات الاستحواذ المستهدفة الولايات المتحدة الأمريكية انخفاضاً بنسبة 33%، كما تراجع المستهدفون في المملكة المتحدة بنسبة 59%. وتكشف هذه الأرقام عن ضغوط جيوسياسية ومالية تؤثر في حجم وقيمة الصفقات عبر المناطق.

مشروعات جديدة وقيمة الاستثمار في الاقتصادات المتقدمة

أشار التقرير إلى انخفاض عدد المشروعات الجديدة في الاقتصادات المتقدمة بنسبة 20% في النصف الأول من 2025، مع انخفاض حاد في ألمانيا وإسبانيا والولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة. ورغم ذلك ارتفعت القيمة الإجمالية لهذه الاستثمارات بنسبة 48% نتيجة ارتفاع تمويل من الولايات المتحدة وفرنسا؛ فقد بلغت الإعلانات الأمريكية 237 مليار دولار، منها 103 مليارات لمشروعات أشباه الموصلات و27 ملياراً لمراكز البيانات. وشمل أكبر مشروع توسعة بقيمة 100 مليار دولار لشركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة (TSMC)، بينما شهدت فرنسا مشروعاً ضخماً بقيمة 43 مليار دولار من MGX Fund Management الإماراتية. وتوضح هذه المعطيات أن ارتفاع القيمة تم تحفيزه بوجود تمويلات ضخمة في سوقين رئيسيين مع انخفاض في عدد المشاريع.

الاقتصادات النامية والتحديات والفرص

استقرت التدفقات في الاقتصادات النامية، بينما سجلت إفريقيا انخفاضاً حاداً بنسبة 42% مقارنة بارتفاع في آسيا النامية وأمريكا اللاتينية. تراجعت إعلانات المشروعات الجديدة في الدول النامية بنسبة 12% من حيث العدد و37% من حيث القيمة، مع تراجع واضح في قطاعات التصنيع والطاقة والسيارات. وظلت صفقات التمويل الدولي شبه مستقرة من حيث العدد لكنها ارتفعت قيمتها الإجمالية بنسبة 21% بدعم من مشاريع ضخمة في بنما والإمارات وأوزبكستان. كما استمر الضعف في صفقات الاندماج والاستحواذ عبر الحدود في الدول النامية نتيجة عمليات بيع كبيرة في قطاعي الطاقة والمرافق، مع ظهور القطاع الرقمي كمحرك رئيسي للنشاط الاستثماري في 2025.

الاستدامة والتنمية والآفاق المستقبلية

يؤكد التقرير أن الاستثمار المرتبط بأهداف التنمية المستدامة سجّل تراجعاً مع انخفاض عدد مشروعاته بنسبة 10% في الأشهر الأربعة الأولى من 2025، ويتجه الاستثمار في الدول الأقل نمواً إلى انخفاض إضافي قدره 5% ليصل إلى أدنى مستوياته منذ 2015. كما أشار إلى استمرار الضغوط على تمويل التنمية بسبب ارتفاع تكلفة التمويل والمخاطر الجيوسياسية. وتؤكد المؤشرات أن القطاعات الرقمية والابتكار ستظل محركات رئيسية للنشاط الاستثماري العالمي رغم التحديات. ويتوقع التقرير أن تستمر هذه الوتيرة بقية عام 2025 نتيجة الانقسامات الاقتصادية والصراعات الإقليمية، مع احتمال محدود لدعم من تحسن الأوضاع المالية ونشاط صفقات الاندماج والاستحواذ في الربع الثالث وزيادة إنفاق صناديق الثروة السيادية.

شاركها.
اترك تعليقاً