يؤكد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار أن الدراسة المعنية بتقدير مرونة التشغيل للاقتصاد المصري تناولت طبيعة العلاقة بين النمو والتشغيل خلال العقدين الماضيين، وتحديداً في الفترة 2004-2024. وتبين أن قطاع الصناعة سجل أعلى مستوى من مرونة التشغيل ثم جاء قطاع الخدمات فالواردات الزراعية، بينما بقيت الزراعة الأقل قدرة على التوظيف في بعض الفترات. كما أشارت الدراسة إلى أن النمو الموفر للتشغيل كان حاضراً بقوة في مناقشات الاقتصاد المصري، وأن فترات الأزمات فرضت تدخلات حكومية لتعزيز التشغيل وتخفيف الآثار على المواطنين. وتؤكد الدراسة أيضاً أن الحكومة سعت إلى تمكين القطاع الخاص وتحسين بيئة الأعمال عبر إصلاحات ووسائل دعم مختلفة.

المشروعات القومية لدعم التشغيل

تؤكد الوثائق أن المشروعات القومية الكبرى أسهمت في خفض معدلات البطالة عبر قطاعات متعددة. وصل إجمالي المساحة المزروعة في Delta الجديدة إلى 669 ألف فدان، وتبلغ المساحة الإجمالية للمشروع 28 مليون فدان، وهو ما يوفر نحو 5 ملايين فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة. وتُضاف إلى ذلك جهود تطوير البنية الزراعية وتوفير الخدمات المرتبطة بالاستثمار في المناطق الجديدة. وتُعزِّز هذه المشروعات فرص العمل من خلال حزمة استثمارية متكاملة في المزارع والبنية الريفية والطرق والخدمات المرتبطة بالزراعة.

وتشمل مشروعات إضافية مثل توشكى وتنمية شبه جزيرة سيناء، حيث يصل إجمالي المساحة المستهدفة إلى نحو 1.1 مليون فدان، وتزرع مساحات تقارب 180 ألف فدان في توشكى و285 ألف فدان في سيناء. وتُسهم هذه المسارات في توفير فرص عمل جديدة وتنتج تأثيراً إيجابياً على التشغيل في المناطق المعنية. كما تساهم بدعم سلسلة إنتاج متكاملة تربط بين الزراعة والصناعة والتصدير بما ينعكس على Labor market المحلي.

ويُعدّ مشروع غليون المتكامل من أبرز مشروعات الاستزراع السمكي في الشرق الأوسط، حيث تم تنفيذ 5907 أحواض ضمن مشروع الفيروز للاستزراع السمكي، إضافة إلى أكثر من 4000 حوض ضمن مشروع الاستزراع السمكي بهيئة قناة السويس. أما مشروع البتلو فيخدم أكثر من 41 ألف مستفيد ويضم نحو 464 ألف رأس ماشية بتمويل يقارب 7 مليارات جنيه لصغار المربين والمزارعين. وتشهد الثروة الداجنة استثمارات قدرها نحو 100 مليار جنيه وتوفر صناعة الدواجن نحو 3 ملايين فرصة عمل.

وتُعد مشروعات الإسكان القومي من بين المحفزات الأساسية للتشغيل، إذ تم تنفيذ أكثر من مليون وحدة سكنية وتوفير آلاف الفرص في قطاع المقاولات والخدمات المرتبطة. وتتيح هذه المشروعات فرص عمل مباشرة وغير مباشرة من البناء والصيانة وتطوير البنية التحتية. كما أن مدينة الروبيكي للجلود استثمرت نحو 7.2 مليارات جنيه وتوفر نحو 35 ألف فرصة عمل.

وتسهم المنطقة الاقتصادية لقناة السويس في توفير نحو 100 ألف فرصة عمل مباشرة، وتبلغ تكلفة البنية التحتية للاستثمار فيها نحو 18 مليار دولار. وتبرز أيضاً الجهود في مشروع «حياة كريمة» لتطوير الريف المصري الذي ارتفع عدد الوظائف الدائمة الناتجة عنه إلى أكثر من 450 ألف وظيفة بتكلفة تبلغ نحو 4.4 مليارات جنيه. ويبرز أيضاً مشروع مستقبل مصر للزراعة المستدامة الذي يوفر نحو 10 آلاف وظيفة مباشرة وأكثر من 360 ألف وظيفة غير مباشرة، مع توقع زيادة فرص العمل خلال المواسم القادمة.

وتتضمن المشروعات المجمعات الصناعية التي يجري إنشاؤها وتشمل 17 مجمعاً بـ 5046 وحدة صناعية موزعة على 15 محافظة، وتبلغ تكلفتها نحو 10 مليارات جنيه وتوفر نحو 48 ألف وظيفة مباشرة. وتؤدي هذه المشروعات إلى تعزيز سلسلة القيمة المحلية وتوفير فرص تشغيل إضافية في المناطق المستهدفة. كما يُسهم جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر في تمويل مشروعات بقيمة 900 مليون جنيه خلال عام 2024، وتوفير 85 ألف مشروع بقيمة ستة مليارات جنيه، إضافة إلى امتلاك الجهاز 2.3 مليون عميل ويهدف للوصول إلى 4 ملايين عميل خلال السنوات الثلاث القادمة.

وتؤكد البيانات أن عدد الشركات المؤسسة في العام المالي 2023/2024 بلغ نحو 37,988 شركة مقارنة بـ32,455 في 2022/2023، بزيادة قدرها حوالي 17 بالمئة. كما ارتفعت رؤوس الأموال المصدرة لهذه الشركات خلال 2023/2024 إلى نحو 198.1 مليار جنيه مقارنة بـ114.5 مليار جنيه في 2022/2023 بنسبة زيادة تقارب 73 بالمئة. وفي توزيع مصادر تمويل الشركات المؤسسة، استقر المصريون عند نحو 90.1% بينما بلغت حصة العرب 4.8% والأجانب 5.1%.

الأطر القانونية والسياسات الداعمة

وتشير الدراسة إلى أن الحكومة اعتمدت مجموعة من المبادرات والقوانين لدعم التشغيل وتحسين بيئة الأعمال. وتبرز الرخصة الذهبية وبرنامج الطروحات الحكومية، مع صرف أكثر من 50 مليار جنيه للشركات المصدرة خلال الفترة 2019-2023. وجرى تعديل عدة إجراءات عبر المجلس الأعلى للاستثمار بقرارات ساهمت في تخفيض القيود وتسهيل تأسيس الشركات، حيث بلغ عدد القرارات التي تمت الموافقة عليها 22 قراراً في مايو 2023 وتم تنفيذ 13 منها حتى أغسطس 2023، كما صدرت 24 رخصة ذهبية حتى أكتوبر 2023. وتضم الحزمة أيضاً إطلاق EgCOP وتوجيه الاستثمارات نحو القطاعات المستهدفة، إضافة إلى ارتفاع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 46.1 مليار دولار في 2023/2024، مع ارتفاع الاستثمار الخاص إلى 133.1 مليار جنيه في الربع الأول من 2024/2025، بما يمثل حوالي 63.5% من الإجمالي.

وتوضح البيانات أن الحكومة أطلقت خريطة استثمارية تضم 1168 فرصة استثمارية، كما بلغ حجم صندوق مصر السيادي نحو 37 مليار جنيه عبر 14 مشروعاً حتى نهاية 2022، وارتفعت عدد الشركات المؤسسة خلال 2023/2024 كما ذكر أعلاه. وتركز أيضاً الأطر التنظيمية على تقليل مطالب المستندات وتسهيل الخدمات من خلال مبادرات لتخفيض الإجراءات وتطوير مراكز خدمة المستثمرين، بما في ذلك تقليص فترة الإجراءات وتبسيط القنوات الإجرائية. وتبرز هذه العوامل مجتمعةً كعنصر رئيسي في جذب الاستثمارات وتحفيز التشغيل في مختلف القطاعات الاقتصادية.

كما أشارت الدراسة إلى أن مؤشرات الاستثمار أظهرت تحسناً في بيئة الأعمال، مع ارتفاع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر وتزايد مساهمات الاستثمار الخاص، وهو ما يعزز فرص التشغيل في الاقتصاد الوطني. وتلعب الحوافز والتسهيلات التي تحفز الشركات على التوسع وتأسيس كيانات جديدة دوراً محورياً في دعم التشغيل من خلال السياسات الاستثمارية والضريبية الميسّرة. وتؤكد النتائج أن الإطار المؤسسي المصري مستمر في الانتقال إلى نموذج يعتمد على التخارج من بعض الأنشطة وتوسيع دور القطاع الخاص في دوره الإنتاجي والتصديري.

المبادرات الحكومية لدعم التشغيل

وتؤكد الدراسة أن المبادرات الحكومية عامل رئيسي في تنشيط التشغيل، حيث أطلق البنك المركزي مبادرات لدعم الشركات المتعثرة وتنشيط القطاعات الصناعية والسياحية بما يساعد على استيعاب عمالة إضافية وتقليل البطالة. وتشمل هذه المبادرات تمويلاً يصل إلى نحو 75% لعمليات الإحلال والتجديد للشركات والمنشآت السياحية وأساطيل النقل السياحي، وبسعر عائد لا يتجاوز 10% تناقصياً. كما تندرج مبادرة “مبارك-كول” في إطار تعزيز التدريب والتأهيل المهني بنظام مزدوج، مع تعاون بين الجهات العامة والخاصة لرفع كفاءة القوى العاملة وتنويع مهاراتها. وتبرز أيضاً مساهمة إطار TVET Egypt الذي تنفذه المفوضية الأوروبية بالتعاون مع الحكومة، بهدف تحسين هيكل ونواتج التعليم الفني والتدريب المهني، وتجاوز عدد الطلاب المسجلين فيه حاجز المليون طالب عبر milliers من المدارس والمراكز التدريبية بمختلف المحافظات.

وأطلقت الحكومة مبادرة “بداية جديدة لبناء الإنسان المصري” في 17 سبتمبر 2024 لمدة 100 يوم، مع هدف تنمية رأس المال البشري وتنسيق الجهود بين الوزارات المعنية ومؤسسات المجتمع المدني. وتشمل النتائج تمويل 93 ألفاً و507 مشروعات متوسطة وصغيرة ومتناهية الصغر للشباب والأسر تحت الرعاية، وتوفير 51 ألفاً و127 وظيفة، إضافة إلى إصدار 678 رخصة مؤقتة للمشروعات الجديدة و385 رخصة لتوفيق الأوضاع للمشروعات غير الرسمية. كما نظمت المبادرة 6 ملتقيات توظيف أسهمت في توفير 2,289 وظيفة في القطاع الخاص، إضافة إلى توفير 382 وظيفة لذوي الهمم، وتنظيم 34 وحدة تدريب مهني متنقلة وتعاون مع الشركاء الدوليين لتوفير فرص عمل في محافظات الصعيد. وتؤكد الدراسة أن هذه الجهود تعزز جاهزية القوى البشرية لسوق العمل وتدعم مستويات التشغيل بشكل مركزي.

كما أشارت الدراسة إلى تنظيم وزارة العمل بأنشطة مشتركة مع الشركاء المحليين والدوليين بما يوطد قدرة المجتمع على توفير فرص العمل والتدريب وتسهيل تكامل الجهات المعنية في سياسات سوق العمل. وتؤكد كذلك أن تنفيذ برامج الأغذية العالمية وبرامج التدريب والتشغيل وتوفير فرص عمل في المناطق الأقل عمراناً يعزز من مرونة التشغيل على الصعيدين القومي والإقليمي. وتأتي هذه المبادرات في سياق رؤية الدولة لتوفير وظائف مستدامة وتحسين مستوى المعيشة عبر توجيه الاستثمارات نحو القطاعات كثيفة العمالة وتطوير المهارات الملائمة لسوق العمل.

التوصيات المقترحة لتحسين التشغيل

وتتضمن التوصيات السياسات التي تقترحها الدراسة في ثلاثة محاور رئيسية، هي سياسات التعليم والتدريب المهني، وسياسات دعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وسياسات البيئة الاقتصادية وسوق العمل. وتدعو إلى تعزيز التعليم الفني وربط القبول بالكليات باحتياجات سوق العمل وتوفير حوافز تشجيعية للطلبة، مع اعتماد خطة تمويل مستدامة لتطوير التدريب المهني تشابه نماذج دول أوروبية تراعي إشراك أصحاب العمل وتحديد معايير جودة للمراكز والمعاهد. كما تُشدد على تعديل آليات القبول الجامعي وتحديث المناهج لتواكب متطلبات الصناعة وتطوير التعليم الفني وتكامل العلوم والتقنيات الحديثة في المناهج الأساسية. وتوصي أيضاً بتبني سياسات تشجع الاستثمار محلياً وتوسعه في مجالات كثيفة العمالة مع تجهيز بيئة تنظيمية أكثر مرونة وتطبيق برامج سوق عمل نشطة تشمل التشغيل والتدريب والدعم للأجور والعمل الحر.

وفي محور المشروعات الصغيرة والمتوسطة، تقترح الدراسة تشجيع التعاون في المجتمع الريفي وفي فئات مثل المرأة والشباب والمتقاعدون على بناء رؤوس أموال محلية عبر صناديق ومراكز لتنمية المجتمع، مع تعزيز دور البنوك في توفير قروض ذات مخاطر عالية للمشروعات الصغيرة، وتوفير فرص للاندماج في الشبكات العالمية للمشروعات الصغيرة عبر الشركات الدولية. وتؤكد على دعم وتبني مقترحات تمويل وإقامة منشآت صغيرة ومتوسطة، واستخدام قنوات الاتصال والمعلومات في الترويج خارجياً وداخلياً لمنتجات المشاريع المملوكة للمرأة، وتوفير فرص العمل عن بعد لتعزيز مشاركة النساء في المناطق النائية، وإنشاء مركز معلومات تابع لوزارة التضامن الاجتماعي لتوفير بيانات متكاملة عن الفرص المتاحة للعمل والمهارات المطلوبة. كما تقترح منح الإعفاءات الضريبية وتوفير قروض بفوائد ميسرة للحرفيين والأسر المنتجة كخطوة لدعم قدراتها الإنتاجية والتشغيلية.

أما محور البيئة الاقتصادية وبيئة سوق العمل فيتضمن توصيات لاستحداث برنامج تنفيذي يهدف إلى حل البطالة في الأجلين القصير والمتوسط مع مراعاة خصوصيات سوق العمل المحلي، وتشجيع الاستثمار المحلي والتوسع فيه خاصة في المشروعات كثيفة العمالة، وإصلاح القطاع الخاص بإضفاء مزيد من المرونة على اللوائح والأنظمة لتوفير استقرار وظيفي. وتحث الدراسة على سن تشريعات تحفز الاستثمار وتسهّل الحصول على قروض ميسرة وتدعم مشروعات صغيرة والمتوسطة، واستخدام برامج سوق العمل النشطة لتقليل مخاطر البطالة من خلال خدمات التشغيل والتدريب والأجر والإعانات ودعم العمل الحر وتحسين سوق العمالة. كما تدعو إلى تطبيق آليات سوق عمل غير نشطة مثل إعانات البطالة وتوفير حماية اجتماعية محسّنة وتوسيع مظلة الرعاية الصحية وتحديث نظام المعاشات، إضافة إلى إضفاء مرونة أكبر على سياسات تحديد الأجور والضمانات المقدمة للعمالة الجديدة وتطوير التنسيق بين المؤسسات المعنية لضمان نتائج أفضل في سوق العمل.

شاركها.
اترك تعليقاً