تؤكد هذه الدراسة أن الاستخدام المتكرر لكلمات مهينة في المزاح تجاه الأطفال يترك آثاراً سلبية حقيقية على صحتهم النفسية. يلاحظ أن بعض الأسر تعمد إلى إطلاق مثل هذه العبارات دون إدراك لتأثيرها، وتصبح سلوكاً مقبولاً في المحيط العائلي. تترسخ لدى الأطفال فكرة أن التنمر أمر عادي أو مسموح، ما يجعلهم أكثر ميلاً لتكرار هذه السلوكيات نحو زملائهم. بالرغم من أن الهدف قد يكون المزاحاً، إلا أن ذلك قد يسبب قلقاً واكتئاباً وفقداناً للثقة بالنفس عند الطفل.
تأثير الأسرة والمجتمع
توضح الدكتورة هالة حماد، استشارية الطب النفسي، أن العبارات التي تستهدف المظهر أو الإعاقة وتُستخدم في المزاح تترك آثاراً سلبية عميقة لدى الأطفال. تؤكد أن الأهل قد يستهينون بتأثير هذه الكلمات، فتزداد فرص أن يتبنّى الأطفال سلوك التنمر تجاه أقرانهم. وتشير إلى أن انتشار هذه العبارات في المحيط الأسري يرسخ فكرة أن الإهانة أمر مقبول في العلاقات اليومية. كما ترى أن المجتمع يسهم في انتشار التنمر حين يفضل الضحك على حساب كرامة المختلفين.
وتشير إلى أن وجود حالات تُظهر أن الأسرة قد تتهاون في مشاعر أطفالها وأن التنمر قد يُرى كأمر عادي، ما يدفع الأطفال إلى تقليد هذه التصرفات. كما أشارت إلى وجود حالة في العيادة تُظهر كيف أن والدًا استخدم عبارة مهينة تجاه ابنته فظهرت آثار ذلك على تصرفات أبنائه مع أقرانهم. وهذا يوضح أن الأسرة هي بيئة حاسمة في تشكيل سلوك الأطفال وتفسيرهم للعلاقة مع الآخرين.
دور المجتمع في الوقاية من التنمر
يؤكد المجتمع أيضاً أن المزاح غير المسؤول يمكن أن يساهم في فقدان الشعور بالأمان لدى الطفل، خاصة إذا اعتمد على نُطق كلمات مسيئة تتعلق بالشكل أو القدرات. وتؤدي هذه المواقف إلى زيادة الانعزال وفقدان الثقة في الآخرين وتراجع العلاقة الاجتماعية. كما أن تعميم السخرية يجعل الاختلاف أمراً مقبولاً ويجعل التربية على الاحترام أمراً ضرورياً.
نصائح عملية للأسرة والمدرسة
تطرح الدكتورة هالة عدداً من التوجيهات العملية، تبدأ بتوعية الأسرة والمجتمع عبر الإعلام ومواد التعليم حول مخاطر التنمر وآثاره النفسية. وتحث على تخصيص حصة في المدرسة لمناقشة السلوكيات المرفوضة وفهم معنى الاختلاف والاحترام، بما يخفف من مخاطر التنمر بين الطلاب. وتؤدي هذه الحوارات إلى بناء قدرات الأطفال على الاحترام والتواصل وحل المشكلات بشكل سلمي.
تؤكد أن التربية تبدأ من المنزل ويجب على الأهل عدم السخرية من الأطفال أو الاستهزاء بهم، مع وضع المدرسة قوانين صارمة وموافقة الأهل بشأن عدم التسامح مع التنمر. وتشير إلى أهمية تعليم الأطفال أن الاختلاف مقبول وأن لكل فرد كرامة متساوية. وتؤكد أن فهم معنى التنمر والتعايش مع الاختلاف ينعكس إيجاباً على السلوك، ويقلل من احتمالية وقوع مضاعفات نفسية لدى الطفل.
الآثار النفسية للتنمر
يوضح الاختصاصيون أن التعرض المستمر للتنمر يؤدي إلى قلق نفسي واكتئاب وفقدان الثقة بالنفس، كما ينعزل الطفل عن العلاقات الاجتماعية ويفقد الدافعية للمشاركة في الأنشطة المدرسية. وتتصاعد المخاطر عندما يستمر التعرض دون تدخل فعال من الأسرة والمدرسة والمحيط المدرسي. ولذلك فإن المتابعة المستمرة وتوفير الدعم العاطفي والاجتماعي أساسيان لتقليل هذه الآثار وتحسين صحة الطفل النفسية.


