أسباب الغضب عند الأطفال

يُعد الغضب المفاجئ عند الأطفال لغة نفسية تعبر عن احتياج داخلي لم يفهمه الأهل بعد. تبرز في هذا السياق أهمية عدم الاكتفاء بتفسير السلوك بعصبية عابرة، بل اعتبار النوبة علامة تحتاج إلى فهم عميق للسياق العاطفي للطفل. تشير الدراسات الحديثة إلى أن نحو خُمس الأطفال يظهرون نوبات غضب متكررة مع صعوبات في تنظيم الانفعال، وأن نسبة من هؤلاء لا تتلقى تشخيصاً مبكراً. يؤدي ذلك إلى احتمال ظهور مشكلات سلوكية إذا لم تُعالج الأسباب خلال فترة مبكرة.

تشير الدراسات إلى أن بعض الأطفال يولدون بجهاز عصبي أكثر حساسية للمثيرات، فيفسر الدماغ المواقف البسيطة كتهديد فتحدث نوبات غضب مفاجئة وبكاء سريع. يتغير هذا الرد العاطفي مع وجود نماذج تهدئة فعالة في المحيط الأسري. وتؤثر هذه الحساسية مع عوامل أخرى في استدامة النوبة وتكرارها. يستلزم ذلك وضع برامج تدبير انفعالات مناسبة وتفهم الأسرة.

يُضاف إلى ذلك نقص مهارات التنظيم الانفعالي، فبعض الأطفال حتى سن السابعة لا يملكون قدرة كاملة على تهدئة أنفسهم بمفردهم، وعندما تغيب نماذج التهدئة في المنزل يبقى الطفل أسير مشاعره. تظهر آثار النقص في مواجهة الضوضاء والضغوط اليومية بشكل أقوى. عندما تزداد المطالب المدرسية والروتينية يصبح من الصعب الحفاظ على ضبط الانفعال. وهذا يعزز احتمال انفجار الغضب لدى الطفل.

تراكم ضغوط يومية صغيرة يمثل أحد العوامل المساهمة في تفاقم سلوك الغضب، إذ تتهيأ الضغوط من أمور مثل إزعاج الإخوة، واجبات المدرسة، الروتين المتكرر، والضجيج اليومي لتولد انفجاراً عاطفياً حين تتراكم الأمور. التوتر المستمر من هذه الضغوط يجعل من الصعب على الطفل المحافظة على ضبط النفس في المواقف العادية. يظهر أثرها في الاندفاع الزائد والرفض والانفعال المفاجئ. إذا استمرت هذه الضغوط دون تدريب على التعامل معها فإن النوبة تصبح أكثر تكراراً واتساعاً في مداها.

القلق غير المُشخّص يؤثر بشكل واضح على قدرة الطفل في التعبير عن خوفه، فبدلاً من الإفصاح عنه يتحول خوفه إلى غضب واضح. تظهر علامات القلق على هيئة أرق وتردد وتراجع عن الذهاب للمدرسة وربما شكاوى جسدية بدون سبب عضوي. عندما لا يُعالج القلق بشكل مناسب قد تتفاقم النوبات وتزداد حدّتها وتواترها. وتأتي هذه العوامل في إطار سلسلة معقدة من الاستجابات الانفعالية لدى الطفل.

شعور الطفل بأنه غير مسموع وأن صوته لا يُعبر عنه بشكل صحيح يجعل الغضب وسيلة إعلان وجوده. يترتب على ذلك ميل إلى الاعتماد على الانفعال كآلية تواصل بديلة، وهو ما يفاقم دوائر الغضب بدلاً من تهدئته. كما يظهر ارتباط بين فرط الحركة وتشتت الانتباه والنوبات الغضبية، حيث يسود اندفاع وتوتر يعيق الاستجابة المتزنة. وتزداد الظاهرة عندما ترتفع التوقعات الأسرية والمدرسية وتؤدي إلى شعور بالتهديد المستمر.

التقليد الانفعالي من الوالدين يؤثر في أساليب استجابة الطفل؛ إذا كان أحد الوالدين يرفع صوته أو ينفعل بسرعة، يعيد الطفل إنتاج الأسلوب نفسه. أما الحرمان العاطفي المقنع فهو الأخطر عندما يعيش الطفل في وضع مادي مستقر لكنه يفتقد الاحتضان والوقت المشترك والاستماع الحقيقي، فيلجأ إلى الغضب كبديل للتعبير عن احتياجه الداخلي. هذه الديناميكيات تعزز الاعتقاد بأن الغضب هو السبيل الوحيد لإيصال الرسالة العاطفية إلى المحيطين.

علامات الخطر وتقييم الحاجة للاستشارة

يُعتبر الغضب خطيراً عندما تتكرر النوبات بشكل مكثف وتَظهر في نمط يبعث على القلق، كما يُضاف إلى ذلك تكرار حدوثها ثلاث مرات أو أكثر يومياً لمدة شهر واستمراريتها لفترة زمنية تصل إلى أكثر من 15 دقيقة في كل مرة. كما يُلاحظ تأثيرها على النوم والشهية ومستوى الأداء الدراسي، وهو ما يبرز أهمية تقييم دقيق للحالة. وتزداد المخاطر حين تكون هناك علامة صادمة سابقة مثل التنمر أو الانتقال المتكرر للمدرسة أو فقدان أحد الوالدين، مما يعزز الحاجة إلى متابعة نفسية متخصصة.

تشير المعايير إلى ضرورة المتابعة مع طبيب نفسي عندما يظهر العنف الجسدي بشكل متكرر أو عندما تستمر النوبة لأوقات طويلة وتؤثر بشكل ملحوظ في القدرة على التحكم والسلوك. كما يُنظر إلى وجود تاريخ صادم في بيئة الطفل كالتعرض للتنمر أو مواجهة تغيّر قسري في المدرسة كدلالات إضافية تستدعي التقييم المهني. وبوجود هذه العلامات، يصبح الحصول على تشخيص دقيق وخطة تدخل مبكرة ضرورة ملحة للحفظ على صحة الطفل ونموه العاطفي بشكل سليم.

طرق التعامل مع النوبات

تتبع الأسرة قاعدة 90 ثانية لتهدئة الغضب، حيث تستغرق العواطف نحو 90 ثانية لتخفف قوتها إذا لم يصاحبها صراخ أو توجيه. تترك الأسرة الطفل ليهدأ وتبقى بجانبه كوجود مطمئن دون تقديم نصائح في هذه اللحظة. ثم يقال للطفل: أنا سامعك، فهذه العبارة تخفف نشاط الجهاز العصبي وتمنحه الإحساس بالانتماء. بعدها يمكن إخراج الغضب بطرق آمنة مثل التنفس العميق والكتابة والرسم واللعب بالرمل.

تساهم إعادة تسمية المشاعر في تقليل شدة الغضب عندما يسأل الطفل عما يشعر به ويجيب بلفظ غضب أم حزن أم خوف. وعندما يعبر عن مشاعره بالكلمة الصحيحة يتعلم تهدئة نفسه بسرعة أكبر، وهو ما يسهّل التعامل مع الموقف المستقبلي. وتساعد هذه التقنية في بناء وعي عاطفي يستطيع الطفل من خلاله اختيار استجابات أكثر هدوءاً. كما يجب تجنب ثلاث جمل محرجة تزرع وصمة داخلية وتزيد الغضب مثل: عيب تغضب، لن تفعل التعليمات، أنت عصبي؛ فهذه العبارات تضع الطفل في قالب ثابت وتُفاقم المشكلة. بدلاً من ذلك، يُوجَّه الحديث نحو التعبير عن المشاعر مع الحفاظ على كرامة الطفل واحترامه.

تدرب إشارة المرور كنهج تربوي عالمي لعام 2025: اللون الأخضر يمثل التفكير، اللون الأصفر يمثل الانتظار، اللون الأحمر يمثل التوقف. يهدف هذا النظام إلى تعليم الطفل ضبط النفس قبل الانفجار العاطفي والتصرف بأسلوب هادئ في مواجهة المواقف المجهدة. كما ينبغي تنظيم الروتين اليومي بشكل واضح ليكون اليوم مُخططاً بصورة ثابتة، فعدم وجود بنية يسهم في زيادة التوتر والغضب. ويُساهم وجود روتين محدد في تقليل مصادر الضغط وتوفير إطار آمن للطفل لكي يتعلم السيطرة على انفعالاته تدريجيًا.

المشاركة الحسية تُعد من العناصر المهمة للحد من فرط الحساسية عند الأطفال، خاصةً الأصوات والضوء. يمكن إدراج أنشطة مثل الألعاب المائية والعجين والمكعبات في برامج يومية لأنها تدعم استقرار الجهاز العصبي وتقلل الانفعال. هذه الأنشطة تتيح للجهاز العصبي الاستقرار والقدرة على التعامل مع المواقف الضاغطة بشكل أكثر توازناً. وبعد النوبة، يعتبر احتواء الطفل ضرورياً لتوفير بيئة داعمة وآمنة وتجنب النقد، ثم يتم استعراض المشاعر معه بلطف وتحديد خطوات عملية لتجنب التكرار في المستقبل.

شاركها.
اترك تعليقاً