أعلن الدكتور عباس شومان اليوم خطبة مؤثرة تحت عنوان «كفّ الأذى عن النفس والغير من شعب الإيمان». طرَح خلالها رؤية شاملة توضح كيف أسس الإسلام قواعد دقيقة لحماية النفس البشرية وجعل حفظها مقصدًا رئيسيًا في التشريع. أكد أن الشريعة الإسلامية أعطت النفس مكانة عظيمة فحرّمت كل ما يضُر الإنسان أو يؤذيه، سواء كان اعتداءً جسديًا، أو تناول المحرمات ونَجاسات، أو شرب الخمر وكل ما يذهب بالعقل ويؤذي البدن. وبِيّن أن النظام الشرعي يضبط حياة الإنسان من خلال تنظيم متوازن لأوقات العمل والراحة والترويح، إضافة إلى ترسيخ قيمة الطهارة والنظافة، فالصلاة خمس مرات يوميًا تساهم في صحته الجسدية والنفسية.
حفظ النفس وفق ثوابت التشريع
أوضح الأمين العام لهيئة كبار العلماء أن الإسلام لم يتوقف عند تحريم ما يضُر ضررًا مباشرًا، بل نهى كذلك عن كل ما تتأذّى منه النفس. استشهد بحديث نبوي يمنع دخول المسجد لمن أكل الثوم أو البصل؛ لأن الروائح الكريهة تؤذي المصلين والملائكة على السواء. وأشار إلى أن هذا التوجيه يهدف إلى احترام قدسية أماكن العبادة والمحافظة على نظافة البيئة الاجتماعية. وأكد أن الروائح الطيبة والتزيّن عند الذهاب للمسجد أمر مستحب يعزز من روح الجماعة وحسن التعامل.
أدب المسجد والبيئة الاجتماعية
وتوقف الدكتور شومان عند جانب مهم يتعلق بسبق الشريعة الإسلامية في المجال الطبي الوقائي، موضحًا أن النبي ﷺ وضع قاعدة صحية متقدمة عند التعامل مع الأوبئة، مستشهدًا بحديثه عن الطاعون: «إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه». بيّن أن هذا الحديث يؤسس لمبدأ الحجر الصحي ويكشف وعيًا مبكرًا بفترة الحضانة وإمكانية نقل العدوى قبل ظهور الأعراض. وهو ما يعد سابقًا علميًا في حفظ المجتمعات من انتشار الأوبئة.
الوقاية من الأمراض والالتزام الصحي
وتطرق الدكتور شومان إلى سلوك بعض أولياء الأمور الذين يرسلون أبناءهم إلى المدارس رغم إصابتهم بأمراض معدية، مؤكدًا أن هذا الفعل يدخل في باب الإيذاء المتعمد ويتعارض مع قاعدة «لا ضرر ولا ضرار». وأضاف أن من يُصاب بنزلة برد أو مرض معدٍ يجب عليه تجنّب حضور التجمعات أو اتخاذ أعلى درجات الوقاية عند الضرورة، التزامًا بحديث النبي ﷺ: «تُكفّ شَرّك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك». وختم بأن حديث الرسول: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» يمثل قاعدة جامعة تلزم المسلم بترك الأذى قولًا أو فعلًا، لبناء مجتمع قائم على الاحترام والأمان والسلام الاجتماعي.
القيمة الشاملة للأخلاق الاجتماعية
وأشار إلى أن الشرع الذي أمر المريض بترك صلاة الجماعة حفاظًا على غيره هو نفسه الذي يلزم الجميع بتجنب الإضرار بالناس في كل مجالات الحياة، من التعامل اليومي إلى السلوك العام. كما أكد أن الحفاظ على النفس ونفع الآخرين يتطلب وضوحًا في السلوك وتجنب الإيذاء بكل صوره. وختم بأن الإيمان لا يكتمل إلا بتقوى التعامل مع الناس وعدم الإضرار بهم في كل حال.


