الضحك والقلب والدماغ
يؤكد بحث علمي أن الضحك ليس مجرد رد فعل عاطفي، بل إجراء بيولوجي متكامل يؤثر في القلب والدماغ والرئتين والجهاز المناعي. عندما نضحك، ينشط الجهاز العصبي بشكل يشبه إعادة التشغيل، فيهدأ إفراز هرمونات التوتر مثل الكورتيزول وتزداد معدلات إفراز الإندورفين والدوبامين، وهما الهرمونان المسؤولان عن الشعور بالراحة والمتعة. وبهذه الآلية، يتحسن المزاج وتقل الضغوط النفسية بشكل فوري وتتشجع الخواطر الإيجابية.
تشير نتائج علمية إلى أن موجة من الضحك الحقيقي لا تكون مجرد ابتسامة عابرة، بل تؤدي إلى تمدد الأوعية الدموية وزيادة تدفق الدم، وهو ما يحسن كفاءة القلب ويخفض ضغط الدم مؤقتًا. كما يزداد تدفق الأكسجين إلى الدماغ، ما يدعم صفاء الذهن ويقلل من الشعور بالإجهاد الذهني. وتساهم حركة عضلات الصدر والحجاب الحاجز في تعزيز كفاءة التنفس وتوصيل الأكسجين إلى أنسجة الجسم كافة. وهذه الاستجابات تشكل شكلًا من أشكال التدريب الفسيولوجي للقلب والرئتين.
المشاعر الإيجابية ترفع إنتاج الخلايا المناعية المسؤولة عن مقاومة العدوى، بينما تضعفها الحالة المزمنة من الحزن أو التوتر. وتوضح تقارير علمية أن موجات الضحك المتكررة تحفز إنتاج الأجسام المضادة وتزيد نشاط خلايا الدم البيضاء، ما يجعل الجسم أكثر قدرة على محاربة الأمراض الفيروسية. لذلك، يلاحظ أن المزاج الإيجابي يترجم إلى دعم أقوى للجهاز المناعي ويقلل من احتمالات الإصابة بالعدوى.
بين النفس والجسد رابط لا يُرى
عندما يضحك الإنسان، ينشط الفص الجبهي الأيسر في الدماغ وهو الجزء المعني بالمشاعر الإيجابية واتخاذ القرارات المتفائلة. وهذا التفاعل يؤدي إلى خمود مؤقت في مراكز الخوف داخل اللوزة الدماغية، وهو ما يفسر انخفاض قسوة الواقع بعد لحظة الضحك الحقيقية. يعزز الضحك التوازن العصبي كآلية حماية طبيعية ضد القلق والانعزال، ما يجعل المزاج أكثر اتزانًا وتقل احتمالات التوتر الطويل الأجل. وبالتالي يصبح الضحك وسيلة دفاع طبيعية تدعم الصحة النفسية وتقلل من مخاطر العزلة الاجتماعية.
يتضح أن الرابط بين النفس والجسد يظهر أيضًا في تعزيز القدرة على التعامل مع الضغوط اليومية؛ فالفرح يخفف التوتر ويؤثر إيجابيًا في وظائف الدماغ والذاكرة. ومع تكرار هذه الظواهر، تتحسن القدرة على التحكم في العواطف وتزداد القدرة على التفكير بتوازن وتفاؤل. وبنتيجة ذلك، يوازن الجسم المزاج ويقل الشعور بالقلق الاجتماعي والقلق العام.
أثره يمتد إلى العلاقات الاجتماعية
ليس الضحك سلوكًا فرديًا فحسب، بل لغة تواصل قوية تذيب الحواجز بين الناس. حين يشاركنا الآخرون نوبة من الضحك، يفرز الجسم الأوكسيتوسين، وهو الهرمون المرتبط بالشعور بالحب والأمان، مما يعزز الروابط الاجتماعية ويخفف من الإحساس بالوحدة. في المقابل، يخلق العبوس المستمر جدارًا نفسيًا يعزل صاحبه ويضعف الدعم الاجتماعي الذي يحتاجه. وبذلك يصبح للفكاهة والضحك أثر مباشر في الصحة النفسية والاجتماعية.
إن تقليل العبوس المستمر ليس مجرد مسألة مظهر، بل إجراء وقائي ضد سلسلة من المتاعب الصحية. فالقلب الذي يضحك يعيش حياة أطول، وتوازن الجهاز العصبي يتاح أسرع، ويشفى العقل من الأحزان بشكل أسرع. وهذا يعزز قدرة الفرد على مواجهة التحديات وتحسين جودة الحياة على المستويين الشخصي والاجتماعي.
كيف نصنع لحظات الفرح؟
قد يبدو الضحك رفاهية في حياة مزدحمة بالمخاوف، ولكنه في الواقع ضرورة لصحة عامة أقوى. يمكن استدعاؤه بوسائل بسيطة مثل مشاهدة مشهد كوميدي قصير وتبادل النكات مع صديق مقرب. كما يمكن ممارسة تمارين “يوغا الضحك” التي تدمج بين التنفّس والابتسام القسري حتى يتحول إلى ضحك حقيقي، وهو ما يساعد الجسم على الاسترخاء والانطلاق من جديد. المهم أن نسمح للجسم بتجربة الراحة والانطلاق من جديد.
يمكن أن تساهم هذه الممارسات في إحياء المزاج وتقوية الإيجابية مع مرور الوقت، وتؤدي إلى تحسن في التركيز والاسترخاء الذهني. يمكن أن تبدأ بخطوات بسيطة مثل مشاهدة موقف كوميدي أو مشاركة نكات مع أصدقاء مقربين، مع الالتزام بممارسة منتظمة. الهدف أن يعتاد الجسم على تكرار لحظات الفرح حتى يصبح الضحك أسلوب حياة صحي يخفض الإجهاد ويجدد الحيوية.


