تشير الدراسات الحديثة إلى أن الرضاعة الطبيعية تعود بالنفع على الأم إلى جانب الطفل، وتظهر تأثيراتها بشكل عميق ومستدام خاصة عندما تستمر لأكثر من ثمانية أشهر. تساهم فترة الرضاعة الطويلة في تحسين تكوين نخاع العظام والأنسجة العضلية لدى النساء قبل بلوغ مرحلة انقطاع الطمث، وهذا يعزز اللياقة الهيكلية والقدرة الأيضية مع مرور الزمن. وأوضحت دراسة أوروبية أن استمرار الرضاعة لفترة تتجاوز ثمانية أشهر يرتبط بتحسن واضح في صحة العظام والعضلات مقارنة بمن توقفت عند هذه المدة. كما أشارت نتائج متابعة إلى انخفاض تراكم الدهون في نخاع العظم والأنسجة المحيطة بالعمود الفقري لدى الأمهات المستمرات في الرضاعة لفترة طويلة.

ربط الرضاعة بالبنية العضلية

أجرى باحثون دراسة صغيرة على مجموعة من النساء في مرحلة ما قبل انقطاع الطمث وتابعوهن خمس سنوات بعد الولادة. اعتمدت الدراسة على التصوير بالرنين المغناطيسي لرصد تغيّرات في تركيب نخاع العظم وكثافة الدهون حول الفقرات القطنية، إضافة إلى مؤشرات أيضية مثل استجابة الإنسولين وحساسيته. أشارت النتائج إلى أن النساء اللواتي استمرلن في الرضاعة الطبيعية لأكثر من eight أشهر كنّ أقل عرضة لتراكم الدهون في نخاع العظم والأنسجة العضلية حول العمود الفقري، كما أظهرن تحسنًا في حساسية الإنسولين وانخفاضًا في المقاومة. أُبرزت هذه النتائج وجود تأثيرات إيجابية مستمرة على البنية العضلية والوظائف الاستقلابية حتى بعد سنوات من الولادة.

آليات فسيولوجية وراء الفوائد

يرى العلماء أن هذه الفوائد تتصل بتغيرات هرمونية ترافق الرضاعة، إذ يسهم الإفراز المستمر لهرمون الأوكسيتوسين في تحسين الدورة الدموية وتوازن الطاقة في الخلايا العظمية. كما يعزز البرولاكتين امتصاص الكالسيوم وتنشيط الخلايا المسؤولة عن تكوين العظم الجديد، وتدفع الرضاعة الطويلة إلى استهلاك الطاقة المخزنة مما يحد من الدهون داخل العضلات. وتؤثر هذه الكيمياء الحيوية في تكوين كتلة عظمية أقوى وتوازنًا أيضيًا أوسع. وتبرهن هذه الآليات أن الرضاعة ليست مجرد تغذية بل سلسلة من التغيرات البيولوجية المفيدة للأم.

تأثيرات طويلة الأمد على العظام والعضلات

أظهرت النتائج أن المساحة العضلية حول العمود الفقري تزداد لدى الأمهات اللاتي استمرين في الإرضاع طويلاً، ما يعزز قوة الظهر ويدعم ثباته في مراحل الحياة اللاحقة. كما استمرت التغيرات الإيجابية في نخاع العظم لمدة تصل إلى خمس سنوات بعد الولادة، ما يشير إلى وجود بصمة فسيولوجية طويلة الأمد تسهم في الحماية من ضعف العظام المرتبط بالعمر. بجانب ذلك، رُفعت كفاءة التعامل مع الجلوكوز وتقليل احتمالية الإصابة بمتلازمة الأيض، نتيجة الاعتماد على مخزون الدهون كم مصدر للطاقة أثناء الرضاعة. تدفع هذه الاكتشافات إلى إعادة النظر في سياسات دعم الأمهات العاملات وتوفير بيئة تسمح باستمرار الرضاعة الطبيعية لأطول فترة ممكنة لصالح صحتهن وصحة أطفالهن.

أبعاد صحية وتوصيات سياسات

تشير الدعوة إلى إجراء أبحاث أوسع إلى أن النتائج حتى وإن جاءت من عينة صغيرة فإنها تؤكد وجود ارتباط قوي بين مدة الرضاعة الطبيعية وصحة الهيكل العظمي والعضلي للأم. ويدعو الباحثون إلى دراسات متعددة المراكز وتضم عوامل مثل النظام الغذائي ونمط النشاط البدني لتوضيح الآليات بشكل أدق. كما يبرزون الحاجة إلى سياسات عملية تدعم الأم في مواصلة الرضاعة الطبيعية في بيئة العمل وتوفير الإمكانات المساندة. تتوخى هذه الرؤى الحفاظ على صحة الأم على المدى الطويل بجانب دعم الرضاعة الطبيعية للطفل كخيار صحي متكامل.

شاركها.
اترك تعليقاً