تعريف ذهان ما بعد الولادة
يُعرّف ذهان ما بعد الولادة بأنه اضطراب نفسي حاد يبدأ عادة خلال الأسابيع التالية للولادة، ويترافق مع مخاطر كبيرة قد تشمل إيذاء النفس أو الطفل إذا لم يتدخل العلاج المبكر. يتطلب ذلك متابعة طبية فورية وتدخلاً دوائيًا ونفسيًا مكثفًا لضمان سلامة الأم والطفل. يعتبر من الحالات الطبية التي تتطلب استجابة سريعة وتنسيق بين التخصصات النفسية والنساء والتوليد لضمان تطبيق إجراءات السلامة والعلاج الملائم.
لا يعود للذهان ما بعد الولادة أن يمثل اكتئاباً فقط بل هو مجموعة من الأعراض المتداخلة التي قد تشمل اضطراب المزاج والهلاوس أحياناً أو أفكار غير واقعية تعكس خروجاً عن الواقع. تم توثيق أن الحالة قد تتفاقم بسرعة وتفرض ضرورة إشراف مختصين وتقييم مستمر لتحديد الخطة العلاجية الملائمة. كما يتطلب الأمر تقييم نطاق المخاطر واتخاذ إجراءات أمان للطفل وللمريضة عند اللزوم.
الأعراض
تشير أعراض ذهان ما بعد الولادة إلى وجود فرط نشاط حاد للمزاج مع تغيرات سلوكية شديدة، وتشتمل غالباً على انفعال وأرق واضطراب في النوم وتحدث سريع أو غريب. كما قد ترى المريضة أو من حولها أفكاراً وهلاوس أو اعتقادات خاطئة تؤدي إلى سلوكيات غير مألوفة. وتظهر أحياناً علامات الاكتئاب المصحوب بأعراض ذهانية مثل شعور باليأس والقلق والارتباك الشديد. وتحدث هذه الأعراض في سياق انفصال عن الواقع وتضخيم للأخطار المحيطة، ما يستدعي تقييمًا فوريًا وخطة علاجية آمنة للطفل والمريضة.
وتختلف أعراض الذهان عن اكتئاب ما بعد الولادة إذ يشمل الأخير أحياناً أعراض مزاجية حادّة مع توجّه نحو الانعزال، لكن الذهان يضيف أوهاماً وهلاوس وتغيراً سريعاً في التفكير والسلوك. وفي حالات شديدة قد يظهر جنون العظمة، أو رغبة في إيذاء النفس أو الطفل، وهو ما يبرز الحاجة إلى تدخل طبي فوري وإجراءات أمان. مع ذلك، قد تُرافق الأعراض مع عدم القدرة على الحفاظ على النوم أو الكلام بسرعة غير مبررة، وتحديثات مستمرة للمزاج والتصرفات. هذه العوامل تبرز أهمية التفريق بين أنواع الاضطرابات خلال فترة ما بعد الولادة لتحديد المسار العلاجي الملائم.
الأسباب والعوامل المحتملة
تُعد التجارب السابقة للصحة النفسية والوجود العائلي من أبرز العوامل المرتبطة بذهان ما بعد الولادة، حيث تزيد احتمالية الإصابة لدى النساء اللاتي لديهن تاريخ من اضطرابات مثل الفصام أو الاضطراب ثنائي القطب أو الاكتئاب الحاد. كما تلعب الوراثة دوراً رئيسياً في جعل الشخص أكثر عرضة للإصابة عند وجود تاريخ عائلي لهذه الاضطرابات. وتؤثر العوامل البيئية والهرمونية الناتجة عن الحمل في توازن النواقل العصبية في الدماغ، مما يسهم في حدوث الذهان في بعض الحالات.
تشير الأسباب إلى أن التغيرات الهرمونية المصاحبة للحمل، وقلة النوم، واضطرابات التغذية مع نقص فيتامينات رئيسة كفيتامين ب1 وب12 قد تساهم في ظهور الذهان. كما تلعب اضطرابات الغدة الدرقية وارتفاع ضغط الدم أثناء الحمل دوراً في زيادة الخطر. وتُشير هذه العوامل إلى أن الذهان ليس حالة قائمة بذاتها بل يبرز عندما تختل توازن عدة أنظمة في الدماغ مع وجود استعداد سابق.
التشخيص والعلاج
يتم تشخيص ذهان ما بعد الولادة من قبل طبيب نساء وتوليد أو طبيب نفساني من خلال مراجعة التاريخ المرضي للأعراض والتاريخ العائلي للصحة النفسية، وربما إجراء فحص جسدي وعصبي لاستبعاد اضطرابات أخرى. قد تُطلب فحوصات دم لاستبعاد اضطرابات الغدة الدرقية ونقص الفيتامينات وتوازن الأملاح، وكذلك فحوصات تصويرية مثل التصوير المقطعي أو الرنين المغناطيسي في وجود اشتباه في سبب عصبي آخر. وبعد استبعاد الحالات الأخرى، يتم وضع تشخيص نهائي وتحديد خطة علاج مناسبة.
يعتمد العلاج على إشراف طبي فوري وتقييم عميق للمخاطر مع توفير بيئة آمنة للمريضة والطفل. قد يشمل العلاج دخول المستشفى وتناول مضادات الذهان ومثبتات المزاج وفق تقدير الطبيب، مع رعاية صحية ونفسية مستمرة. يُؤكد الخبراء على أهمية التزام العلاج والتعاون مع الفريق الطبي لتقليل مخاطر التدهور والانتكاس في الحمل اللاحق.
دعم العائلة خلال الذهان بعد الولادة
ابدأ بتوفير بيئة داعمة وغير متحيزة من الشريك والأسرة والأصدقاء عند الاشتباه بذهان ما بعد الولادة. تؤكد الممارسات الطبية أن التدخل المبكر والالتزام بالعلاج تحت إشراف الفريق الطبي يسهمان بشكل كبير في تقليل المخاطر وتحسين النتائج. من الضروري تجنيب المريضة والطفل أي إصابة عبر اتخاذ إجراءات أمان مناسبة وتقديم التعاطف والتفهم طوال فترة العلاج. واستمرار التواصل مع مقدمي الرعاية يساعد على متابعة الحالة وتعديل الخطة العلاجية حسب الحاجة.


