أظهر بحث حديث شمل أكثر من 135 ألف شخص أن الميل إلى اختيار المكافآت الفورية مهما كانت قيمتها القليلة يرتبط بعوامل وراثية. يعتبر هذا السلوك المعروف بـDelay Discounting إحدى الظواهر التي تعكس التفضيل للحاضر على المستقبل. حدد الفريق 11 موقعاً جينياً مرتبطاً بنفاد الصبر بعدما حلل الإجابات على 27 سؤالاً مالياً حول الاختيارات الفورية والمؤجلة. بينت النتائج أن العوامل الوراثية تفسر نحو 10% من الفروق بين الأفراد، بينما تلعب البيئة وخبرات الحياة الدور الأكبر.

المناطق الوراثية الرئيسية

الكروموسوم 6

يضم الكروموسوم 6 تغيّرات مرتبطة بالتدخين وتعاطي الكحول والاضطراب الثنائي القطب. كما رُبطت منطقتها بمؤشر كتلة الجسم. وتظهر الصلة بين هذه المتغيرات وتفضيل القرارات العاجلة على القرارات المؤجلة، ما يعزز ارتباطها بنفاد الصبر.

الكروموسوم 16

يحتوي الكروموسوم 16 على 18 جيناً تؤثر في نمو الدماغ والذكاء والشهية وسلوكيات الأكل. وتربط الدراسات هذه المنطقة باضطرابات مثل التوحد والفصام والسمنة. كما ترتبط بتغيرات في سلوكيات اتخاذ القرار وتفضيل الانتظار في بعض الحالات.

جينات الدوبامين وتأثيرها

تشير جينات الدوبامين إلى آليات المكافأة والتحفيز وتؤثر بشكل كبير في اتخاذ القرار. وتظهر النتائج أن الأشخاص المهيئين وراثياً لنفاد الصبر يكونون أكثر عرضة للتدخين والإدمان والاكتئاب واضطراب فرط الحركة والسمنة. بينما يظهر العكس في حالات مثل الوسواس القهري وفقدان الشهية العصبي والتوحد والفصام، حيث يميل هؤلاء إلى الانتظار أكثر واتخاذ قرارات مؤجلة.

ارتباطه بأمراض وعمر وبيئة

أوضح الباحثون أنه عند تطبيق درجة الخطر الجيني على بيانات 67 ألف مريض في سجلات جامعة فاندربيلت، ظهر ارتباط واضح بين نفاد الصبر و212 تشخيصاً طبياً، أبرزها أمراض الجهاز التنفسي والقلب والشرايين والسكري من النوع الثاني والاضطرابات الهضمية والألم المزمن ومشاكل الرؤية وبعض أنواع السرطان. كما وُجدت اختلافات حسب العمر، فالشباب يظهرون مضاعفات الحمل، وخلال منتصف العمر ترتبط النتائج بارتفاع المخاطر مثل الإدمان والاكتئاب والسمنة، وفي كبار السن تزداد العوامل القلبية والنوبات. لكن العوامل البيئية أقوى من العوامل الوراثية وتؤثر بشكل كبير في ظهور هذه الصفات والسلوكيات.

هل يمكن العلاج مستقبلاً؟

تشير النتائج إلى إمكانية تطوير علاجات سلوكية ودوائية تستهدف المسارات البيولوجية المسؤولة عن نفاد الصبر، خصوصاً لارتباطه بالإدمان واتخاذ قرارات قصيرة المدى غير مناسبة. وتؤكد الدراسات أن لا وجود لجين واحد يحسم هذه الصفة، وأن الاختبارات الجينية لا يمكنها التنبؤ بسلوكك بشكل نهائي. كما يوضح الباحثون أن السلوك البشري مركب ويتفاعل باستمرار مع البيئة والتجربة الحياتية، وبالتالي فإن الفهم الكامل لهذه الظاهرة يتطلب مقاربة شاملة تجمع بين العوامل الوراثية والبيئية.

شاركها.
اترك تعليقاً