تشير الدراسات الحديثة إلى أن الإنسان يمر بتغيرات واضحة في أنماط نومه مع تبدل الفصول. فترتفع مدة النوم وعمقه في الشتاء مقارنة بالصيف. ويعود ذلك إلى دور الضوء الطبيعي في ضبط الساعة البيولوجية وإفراز الهرمونات المرتبطة بالنوم. مع قصر ساعات النهار، يسعى الجسم إلى مزيد من الراحة والتعافي.
دور الضوء والساعة البيولوجية
يشير باحثون من جامعة تشارتيه الطبية في برلين إلى أن الضوء الطبيعي هو العامل الأكثر تأثيراً في تنظيم دورات النوم والاستيقاظ. كلما قل التعرض لضوء الشمس، زاد إفراز هرمون الميلاتونين الذي يرسل إشارات بأن الوقت قد حان للنوم. ومع قصر النهار في الشتاء، يواصل هذا الهرمون الارتفاع لفترة أطول، ما يجعل الإنسان أكثر ميلاً للنوم وأكثر هدوءًا في الصباح. كما أظهرت الدراسات أن مرحلة نوم حركة العين السريعة REM تمتد خلال الشتاء، وهي مرحلة مهمة للدماغ والتوازن النفسي وتكسب الراحة الليلية جودة أعلى.
التأثير الشتوي على المزاج والطاقة
انخفاض درجات الحرارة وتغير المناخ يضيفان بعدًا آخر لفهم الحاجة المتزايدة للنوم، إذ يستهلك الجسم طاقة إضافية للحفاظ على حرارته. هذا يؤدي إلى رغبة أكبر في الراحة والشعور بالخمول. وقلة التعرض للشمس تقلل إنتاج السيروتونين، الناقل المسؤول عن تحسين المزاج، وهو ما يفسر ميل بعض الأشخاص للعزلة في الشتاء وأعراض الاضطراب العاطفي الموسمي.
الضوء الاصطناعي لا يعوض الشمس
ورغم الانتشار الواسع للإضاءة الصناعية في المدن، فإنها لا تستطيع محاكاة التأثير الكامل لضوء النهار على الدماغ. فالأشعة الزرقاء المنبعثة من الشاشات قد تربك الإيقاع الحيوي عند التوجه نحو الليل، لذا ينصح بتقليل استخدامها قبل النوم. كما يُنصح بتعريض الجسم لأشعة الشمس المباشرة في الصباح الباكر عند الإمكان، واستخدام مصابيح علاجية خاصة معتمدة طبيًا وتحت إشراف مختص إذا استدعت الحاجة.
نصائح النوم الصحي في الشتاء
وفقًا لتقرير نشره موقع Healthline، تقدم اختصاصية النوم الأمريكية نيكول إيكلبرغر عدة خطوات للحفاظ على نوم جيد في الأجواء الباردة. أولها تثبيت مواعيد النوم والاستيقاظ يوميًا، بما في ذلك عطلات نهاية الأسبوع، لضمان استقرار الساعة البيولوجية. ثانيها تهيئة غرفة النوم لتكون مظلمة وهادئة ومعتدلة البرودة مع تجنّب الإفراط في التدفئة. ثالثها الابتعاد عن الكافيين والمشروبات المنبهة في المساء لأنها تؤخر الدخول في مراحل النوم العميق. رابعها تقليل استخدام الهواتف والأجهزة قبل النوم بساعة على الأقل لتفادي تأثير الضوء الأزرق على الميلاتونين. خامسها ممارسة أنشطة مريحة مثل التأمل والتنفس العميق لتخفيف التوتر وتحسين جودة النوم.
ويؤكد الخبراء أن النوم الجيد ليس رفاهية موسمية بل ضرورة بيولوجية تدعم المناعة وتنظيم الهرمونات وتساعد القلب والدماغ. كما تساهم الممارسة المنتظمة للتأمل والتنفس العميق في تقليل التوتر وتحسين جودة النوم. ولذا فإن الالتزام بنوم كافٍ ومتزن مع الإيقاع اليومي ينعكس إيجاباً على الصحة العامة.


