أعلنت دار الإفتاء أن التأمين على الحياة أمرٌ جائزٌ شرعًا، وهو في جملته تكافل وتعاون على البر والإيثار، ويتسق مع مكارم الأخلاق ومقاصد الشريعة الإسلامية في مواجهة المخاطر والوقاية منها. وتؤكد النصوص الشرعية أهمية التعاون والترابط بين المسلمين، حيث قال تعالى: وتعاونوا على البر والتقوى، وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا. وتوضح أن فريضة التعاون تيسير العمل وتوفير المصالح وإظهار الاتحاد والتناصر في مواجهة الخطر من أعظم مكارم الإسلام. وتربط هذه الروح الاجتماعية بتشريعات مثل الزكاة والصدقات التي تهدف إلى تفريج كروب المحتاجين.

يعرّف التأمين بأنه عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذي اشترطه التأمين لصالحه مبلغًا من المال عند وقوع الحادث أو تحقق الخطر المتفق عليه، مقابل قسط يؤديه المؤمن له. وتذكر المادة 747 من القانون المدني المصري رقم 131 لسنة 1948 تعريفًا لهذا العقد كعقدٍ يلتزم المؤمن فيه بتوفير مال عند تحقق الخطر. وتُعدُّ هذه الصورة من التكافل والتعاون المجتمعي، وليست عقدًا معاوضة، بل من باب التبرع والتعاون على البر والإيثار وفقًا لما تقره الشرع والتشريع.

الحكم الشرعي والتكييف الفقهي

التأمين على الحياة من وجهة نظر الشريعة عقد جائز قائم على التكافل والتعاون على البر والإيثار، وليس عقدًا مبنيًّا على الربح والمبادلة. الأصل في العقود الإباحة ما دام الدليل الشرعي لم يحرمها، وهذا ينسجم مع مقاصد الشرع التي تيسر أمور الناس وتدفع عنهم الحرج. كما تقرر النصوص القرآنية والسنّة أن التعاون والترابط بين المسلمين من أعظم مقاصد الدين، فذكر القرآن أن أوفى بالعقود، وأن المؤمنين يشدّ بعضهم بعضًا كالبنيان المتماسك.

وقد رُوِيت أحاديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تؤكد أن المؤمنين على شروطهم، أي يلتزمون بما اتفقوا عليه دون غرر. ويؤكد ذلك أن التأمين يتراضى عليه الطرفان بموجب عقد يضمن حقوق كل منهما، وهو عقدٌ من غير غرر ولا ضرر حين يلتزم الطرفان بالتراضى. ويُعد العرف الشرعي معتبرًا شرعًا ومصدرًا من مصادر التشريع، كما قال تعالى خذ العفو وأمر بالعرف، وهو دليل إضافي على قبول مثل هذه العقود إذا تحقق فيها الأمان والوضوح. وتنشأ من هذا النوع من العقود مظاهر التكافل والتعاطف مع المجتمع ورفع الأذى عن الأفراد عند حدوث المخاطر.

ضوابط شرعية للعقود التأمينية

ومن جهة الضوابط الشرعية، لا تكون عقود التأمين غررًا محرمة؛ لأنها تبنى على التبرع ابتداءً والالتزام المتبادل من الطرفين، ولا تقرّ القمار لأنها ليست محكومة بالحظ وإنما بحسابات ومنضبطة. وتُعدّ الحاجة الاجتماعية إلى التأمين أمرًا لازمًا في مواجهة الحوادث والكوارث، ما يجعلها دعامةً للتكافل الاجتماعي وليست عبئًا ماليًا على المجتمع. كما يراعى في المسلم أن يحرص على توزيع المال بالوصول للورثة والعيال وفق توجيهات الدين، مع الإشارة إلى أن ترك المال لأهل الخير أفضل في كثير من الأحيان من الإنفاق عليه في وسائل أخرى، وهو ما مثلته أحاديث صحيحة عن كيفية توجيه الوصية والمال بعد الوفاة.

الخلاصة

ختامًا، تبقى الإجابة أن التأمين على الحياة جائز شرعًا، وهو تكافل وتعاون على البر والإيثار، ويمثل جزءًا من مقاصد الشريعة في حفظ مصالح الناس وتخفيف أذى الخطر. ولا يخرج عن الإطار الشرعي ما لم يوجد غررٌ محرم أو ضرر مباح، وتُسانده نصوصٌ قرآنية وحديثية وآثار العرف السليم. وتؤكد الشريعة على التراحم والترابط وتبادل الوقاية من المخاطر، مع حفظ الحقوق والوصايا وفق القاعدة الشرعية المعروفة بأن المسلمون على شروطهم.

شاركها.
اترك تعليقاً