ينظر كثيرون إلى الطيبة الزائدة كميزة محمودة، لكنها قد تكون سلاحاً ذا حدين. تؤثر هذه الصفة في طريقة تواصل الأشخاص وتوازن علاقاتهم مع الآخرين. ففي بعض الأحيان تدفع من يعطون بلا مقابل إلى كتمان مشاعرهم خوفاً من إزعاج الآخرين أو فقدان رضاهم، ما يجعل العلاقة غير صادقة. مع مرور الوقت، يظهر أثر ذلك في توتر وتباعد بين الطرفين.

أثر اللطف المفرط في العلاقات

المغالاة في اللطف قد تخلق جواً من التضارب الداخلي عند الطرفين، فبعض الأطراف يتوقعون استجابة دائمة دون مقابل، ما يجعل الشعور بالاستحقاق يتزايد عند من يمنح اللطف. ينتج عن ذلك صمت مقصود يحول دون التعبير عن الاحتياجات أو الاعتراضات، فيخسر الطرف اللطيف قدرته على التوازن. يؤدي هذا الصمت إلى حوافز داخلية للتفاهم الخاطئ وتدهور الثقة في العلاقة. بالتالي يفقد الشركاء الإحساس بالتعبير عن الذات وتتحول العلاقات إلى سعي لإرضاء الجميع على حساب النفس.

خلق حاجز بين الطرفين

يعني الإفراط في اللطف أن الطاقة العاطفية تتجه نحو تلبية احتياجات الآخرين باستمرار، ما يترك فجوة في التعبير عن احتياجات الفرد. يؤدي ذلك إلى وجود حاجز غير ظاهر يحد من الصراحة ويجعل الطرف اللطيف غير قادر على الاعتراض عندما يتطلب الأمر. في نهاية المطاف، يسود الجو من الرضا المزيف على حساب الصراحة، فتتآكل الثقة وتقل الاستجابة للاحتياجات المتبادلة. نتيجة ذلك تصبح العلاقة أقرب إلى سلوك ترضي به الآخرين دون تعبير عن النفس بشكل صحيح.

اختلال الطاقة داخل العلاقات

يتغير توزيع الطاقة العاطفية داخل العلاقة بحيث يلتزم أحد الطرفين بتلبية احتياجات الآخر دائماً دون مقابل. هذا الخلل يهمّش الطرف اللطيف ويجعله يشعر بانخفاض القيمة وبأن وجوده لا يتعدى خدمة الطرف الآخر. مع تكرار ذلك، تتزايد الاستياء والخوف من رفض المطالب وتزداد الشكوك في تجاوز الحدود. وهذا بدوره يضعف الحافز على المشاركة الصادقة ويؤثر سلباً على الصحة النفسية.

فقدان القدرة على وضع الحدود

من أبرز نتائج الطيبة الزائدة صعوبة وضع حدود واضحة، إذ يجد الشخص نفسه يوافق على ما يطلبه الآخرون حتى عندما لا يرغب في ذلك. بسبب الخوف من خيبة الأمل، يستمر في الموافقات، وهو ما يجعل الآخرين يتوقعون دوماً تجاوزه. مع تكرار ذلك، يفقد الفرد قدرته على قول لا، ويصير من الصعب حماية طاقته الشخصية وتوازن حياته. إن وضع الحدود ليس إهانة بل حماية للنفس وتعبير عن احترام الذات.

إرضاء الآخرين على حساب إهمال الاحتياجات

يؤثر الإفراط في اللطف في الجسم والعقل بشكل مباشر عندما تُعطل الاحتياجات الشخصية لصالح الآخرين. يؤدي ذلك إلى زيادة التوتر والإجهاد وتقل ساعات الراحة وتضعف المناعة مع مرور الوقت. تظهر علامات الإجهاد الدائم والأرق واضطرابات المزاج كأثر جانبي لهذا النمط. فالعطاء الحقيقي يبدأ من النفس؛ فلا يجوز أن يمنح الفرد من كوب فارغ.

فقدان احترام الذات والقبول

من أبرز نتائج اللطف المفرط ربط قيمة الشخص بمدى رضا الآخرين عنه. تتحول الضبط الذاتي من سلوك نابع من القلب إلى محاولة مستمرة لكسب التقدير، وهو ما يفتح باب القلق من عدم الاستجابة المرجوة. مع ذلك، تضعف الثقة بالنفس وتزداد التقلّبات النفسية حين يعتمد الشخص قيمته على آراء الآخرين أكثر من قيمته الداخلية. وإذا استمر الأمر، يفقد الفرد اتجاهه الذاتي ويصبح الاعتماد على الآخرين مصدراً للقبول والهوية.

شاركها.
اترك تعليقاً