تؤكد البيانات الحديثة تضاعف استخدام المصريين لمواقع التواصل الاجتماعي في عام 2025 بشكل غير مسبوق، مع اعتماد متزايد على تيك توك وفيسبوك وإنستجرام كمصادر رئيسية للأخبار والترفيه. وتشير التقارير إلى أن هذه المنصات أصبحت جزءاً رئيسياً من الحياة اليومية وتتنامى آثارها على المزاج والسلوك. وأوضح الدكتور محمد هاني، استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية، أن دراسات جديدة تكشف عن تأثير صادم لهذه المنصات على الصحة النفسية. ومع كل فيديو قصير وصورة لامعة ومحتوى سريع، يتعرض العقل لضغط عصبي قد لا يلاحظه المستخدم إلا في وقت متأخر.
كيف تغيّر السوشيال ميديا كيمياء الدماغ؟
تشير الأبحاث الحديثة إلى أن الدماغ يفرز هرمون الدوبامين باستمرار أثناء التصفح، وهو نفس الهرمون المرتبط بالمتعة عند تناول السكريات أو عند الإدمان. وبالتالي يصبح المستخدم بحاجة لمزيد من الوقت على المنصات للحصول على نفس الجرعة من المتعة. كما يساهم التفاعل المستمر مع المحتوى السريع في تغيّر أنماط الدوبامين ومسارات التعلم والاسترخاء في الدماغ. وتترتب على ذلك استدامة الاعتماد الرقمي وتزايد التوتر المصاحب لاضطرابات التوازن العاطفي.
علامات الإدمان الرقمي بين المصريين
تشير العلامات إلى فقدان الإحساس بالوقت وتصفح الهاتف فور الاستيقاظ، والقلق عند انقطاع الإنترنت وتشتت الانتباه وضعف القدرة على الاسترخاء. وتنتشر هذه العلامات بين الشباب والنساء العاملات وحتى الأطفال. وتؤدي هذه الإشارات إلى تغيّرات في النمط اليومي وتزايد الأثر السلبي على النوم والتفاعل الاجتماعي.
الاكتئاب والمقارنات أخطر تأثيرات السوشيال ميديا
تظهر المقارنات المستمرة بين حياة الآخرين على المنصات أثرًا عميقاً في المزاج، وتؤشر الإحصاءات أن نحو 74% من المستخدمين في مصر يقارنون حياتهم بما يرونه على الإنترنت. وتؤدي المقارنات إلى فقدان الثقة بالنفس وارتفاع الشعور بالنقص، خاصة بين النساء. كما يؤثر المحتوى السلبي والترندات المأساوية في المزاج العام ويزيد من مشاعر الخوف والقلق. وتنعكس هذه العوامل في انخفاض الرضا الذاتي وتفاقم أعراض الاكتئاب لدى بعض المستخدمين.
جيل كامل يعاني ضعف التركيز
شهد عام 2025 ارتفاعاً ملحوظاً في مشكلات التركيز بين المراهقين والشباب بسبب المحتوى القصير والسريع الذي يعوّد الدماغ على التشتت. وتؤدي سرعة الانتقال بين مقاطع الفيديو إلى صعوبة التفاعل مع مهام طويلة مثل القراءة أو التحضير للدراسة. كما يلاحظ أن ضعف التركيز يعزز الاعتماد على التوقيت اللحظي ويقلل من القدرة على إدارة الوقت بشكل فعال. وتترتب هذه الظواهر في تراجع الأداء الأكاديمي وتطوير المهارات المعرفية الأساسية.
أبرز المشكلات السلوكية المرتبطة بالسوشيال
تظهر صلة واضحة بين الاستخدام المفرط للمنصات ومجموعة من المشكلات مثل ضعف التحصيل الدراسي وفقدان القدرة على قراءة مقالات طويلة والتسرع في اتخاذ القرارات والعصبية الزائدة وضعف التواصل وجهاً لوجه. وتتشابك هذه المشكلات وتتصاعد مع مرور الوقت وتتحول إلى عادات سلوكية مستمرة. كما يتأثر الانتباه والتفاعل الاجتماعي بشكل سلبي مما ينعكس على الأداء المدرسي والمهني والعلاقات الشخصية. وتبقى الحاجة إلى توجيه وتربية رقمية سليمة أمراً حيوياً للحد من آثارها.
التنمر الإلكتروني جرح لا يراه أحد
ارتفعت حالات التنمر الإلكتروني في مصر، خصوصاً بين الفتيات، مع رسائل سلبية وتعليقات جارحة ومقارنات بالمشاهير تؤدي إلى القلق والتوتر وربما العزلة. وتظهر نتائج هذه الممارسات اضطرابات النوم وفقدان الشهية ونوبات هلع واكتئاب خفيف إلى متوسط لدى المتعرضين لها. كما أن كثيرين لا يعترفون بتلك الأعراض كأمر غير عادي وتظل الحاجة إلى الوعي والتدخل النفسي ملحة. وتتفاقم آثار التنمر بشكل خاص على النساء والأطفال وتؤثر سلباً على الصحة النفسية العامة.
ما الذي تغيّر في 2025 تحديدًا؟
يرى الخبراء أن عام 2025 شهد نقلة من الاستخدام المعتدل إلى الإفراط عبر عدة عوامل كارتفاع المحتوى القصير والترندات القائمة على الصدمة والحزن وتراجع الترفيه التقليدي واعتماد الشباب على الإنترنت كمصدر دخل وانتشار ثقافة المقارنات والمظاهر. كما أن البيئة الرقمية أصبحت أكثر إتاحة للمحتوى المجهد والتعليقات السلبية، ما يزيد من التوتر والاكتئاب. وتؤثر هذه التحولات في أساليب الحياة الرقمية وتزيد من مستويات القلق. وتؤكد هذه التطورات على أهمية الإرشاد الرقمي والتوعية الأسرية والمدرسية.
كيف نحمي أنفسنا
تطرح إجراءات عملية للحد من الأثر السلبي للسوشيال ميديا، وتشمل ضبط مدة الاستخدام وتحديد حدود يومية للتصفح غير الضروري. يوصى بتحديد 90 دقيقة كحد أقصى للتصفح اليومي مع تقليل الوقت المستغرق في التصفح العشوائي. كما يُنصح بفلترة المحتوى وتحييد الصفحات التي تبعث طاقة سلبية وتثير القلق من قوائم المتابعة، وتوجيه الانتباه نحو مصادر أكثر هدوءاً وإيجابية. وتُشجع الممارسة الواقعية كالتواصل مع الأصدقاء والأنشطة البدنية والفنون لإعادة التوازن النفسي وتدعيم الصحة العامة.
كما تساهم العلاقات الواقعية في تعزيز الروابط الاجتماعية وتخفيف أثر المقارنات عبر اللقاءات مع أفراد العائلة والأصدقاء. يمارس الشخص أنشطة خارج الشاشات مثل القراءة والرياضة أو الطبخ كوسيلة لاستعادة التركيز والصحة النفسية. وتُعزز جلسة توقف عن استخدام الشبكات حتى يوم واحد في الأسبوع قدرة الفرد على إعادة شحن الطاقة وتنظيم الروتين اليومي.


