أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار العدد الجديد من مجلة آفاق اقتصادية معاصرة ليقدم قراءة معمقة لمشهد الاقتصاد العالمي من منظور الاستقرار المالي والحوكمة الاقتصادية. وتشير مقدمة العدد إلى أن الذكاء الاصطناعي كتبها وتطرح قراءة موضوعية للمخاطر والتحديات التي تواجه النظام المالي الدولي. كما تستعرض المجلة أبرز المؤشرات المحلية والدولية وتسلط الضوء على موضوع الاستقرار المالي كشرط أساسي للنمو المستدام. وتؤكد الإصدارة أن الاقتصاد العالمي يمر بتحولات عميقة تعيد توزيع مراكز القوة في ظل التوترات الجيوسياسية وتفاقم عبء الديون وتراجع النمو وتطورات تكنولوجية سريعة تمس بنية النظام المالي.
التحديات العالمية الراهنة
تشهد المرحلة الراهنة تحولات عميقة تعيد رسم موازين القوى الاقتصادية والمالية في سياق تصاعد التوترات الجيوسياسية وتزايد هشاشة الأسواق وتطورات تقنية تؤثر في بنية النظام المالي الدولي. ووفقا لتقديرات البنك الدولي، من المتوقع أن ينخفض النمو العالمي إلى 2.3% في 2025 مقابل 2.8% في 2024. وتبرز مصادر قلق رئيسة تتعلق بتقييمات الأصول المرتفعة وتزايد ترابط الأسواق عبر قطاع الخدمات المالية غير المصرفية مع المصارف. كما يشير التقرير إلى أن الاستقرار المالي بات مهددًا بتراكم العوامل الاقتصادية والسياسية والبيئية والتقنية.
وتشير تقارير صندوق النقد الدولي والبنك الدولي إلى أن النظام المالي العالمي أصبح أكثر هشاشة بسبب ارتفاع تقييمات الأصول فوق مستواها العادل وتزايد ارتباط المؤسسات المالية غير المصرفية بالبنوك. كما ارتفع الدين العام العالمي إلى نحو 93% من الناتج الاقتصادي العالمي، ما يعكس اعتمادًا متزايدًا على الاقتراض الحكومي. وتبرز اختلالات بنيوية نتيجة تركز أسواق رأس المال في الولايات المتحدة وضعف السيولة في الأسواق السيادية وتزايد مخاطر العدوى المالية عبر القنوات غير المصرفية. وتؤكد هذه المعطيات أن الاستقرار المالي أصبح عرضة لتقلبات حادة عند أي اضطراب دولي.
ويوضح التقرير ثلاث نقاط ضعف بارزة في النظام المالي: أولها أن أسواق رأس المال باتت مركّزة في الولايات المتحدة بنحو 55% من سوق الأسهم العالمية، وهو ارتفاع كبير عن عقدين؛ ثانيها أن المؤسسات المالية غير المصرفية باتت أكثر نشاطًا في تحويل المدخرات وتزايد ارتباطها بالبنوك؛ وثالثها ارتفاع الدين السيادي إلى نحو 93% من الناتج العالمي. وتؤدي هذه العوامل معًا إلى مخاطر اعتمادية أعلى وتحديات في إدارة السيولة والالتزامات على مستوى العالم.
التوصيات الأساسية لتعزيز الاستقرار المالي
وتضمنت التوصيات أهمية مراعاة البنوك المركزية للمخاطر الناتجة عن تزايد ارتباطها بالمؤسسات غير المصرفية، وهو ما يستلزم من البنوك الالتزام الكامل بتطبيق اتفاقية بازل 3 والمعايير التنظيمية المصرفية الدولية. كما تبرز الحاجة إلى تعزيز مرونة أسواق السندات عبر سياسات مالية وتنظيمية أكثر كفاءة، ويتطلب ذلك توسيع نطاق المقاصة المركزية للسندات لضمان تسوية آمنة وشفافة للمعاملات وتقليل مخاطر الأطراف المقابلة. وتؤكد التوصيات أن الأسواق الناشئة تتحول من الاعتماد على السندات الحكومية قصيرة الأجل إلى إصدار سندات متوسطة وطويلة الأجل، مما يسهم في تعزيز الاستقرار المالي وتقليل مخاطر إعادة التمويل. كما تحث على تنويع محافظ الأصول وتجنّب الاعتماد المفرط على الدولار الأمريكي، مع خفض تدريجي للأسعار بما يتماشى مع هدف التضخم لتخفيف أعباء الدين على ميزانيات الدول والأسر والشركات.
وتؤكد أيضًا ضرورة تعزيز استدامة أنظمة التقاعد عبر رفع معدلات الادخار التقاعدي لكبار السن، بما يسهم في مواجهة شيخوخة السكان وتبعاتها على الاستقرار المالي. وتؤكد التوصيات أن البنوك المركزية يجب أن تشدد ضوابط منح قروض الرهن العقاري للأفراد وتعمل على الحفاظ على توازن محافظها الائتمانية لتقليل التركز في هذا النوع من القروض، بما يعزز متانة النظام المالي واستدامة الاستقرار الاقتصادي.
رؤى المؤسسات الدولية في عالم متمركز حول التقنيات والتمويل الأخضر
وتضمن العدد مقالًا للأستاذة تغريد بدر الدين بعنوان “آفاق الاستقرار المالي العالمي.. نظرة على الأداء الراهن لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي”، حيث استعرضت رؤية مستقبلية لتطوير دور هاتين المؤسستين. فترتفع احتماليات أن يتطور دور صندوق النقد الدولي نحو زيادة المرونة المؤسسية والتوسّع التحليلي في تقييم المخاطر النظامية، مع تعزيز الرقابة الكلية وتحسين الشفافية في تدفقات رأس المال وتوظيف الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة بهدف بناء أنظمة إنذار مبكر. كما تتوقع أن يتحول البنك الدولي من نموذج تمويل تنموي تقليدي إلى دعم مالي وهيكلي يتيح بناء نظم مالية رقمية رقمية قادرة على امتصاص الصدمات ودعم النمو الشامل.
وتشير المقالة إلى أن المؤسسات المالية الدولية الأخرى مثل BIS والبنوك الإقليمية كAIIB وAFDB ستلعب دورًا أكثر تكاملاً في دعم استقرار النظام المالي العالمي، مع التنبيه من احتمال ازدواجية المهام وتضارب الاستجابات إذا لم توضع أطر حوكمة واضحة. كما ترى أن مسار الحوكمة الرقمية والتمويل الأخضر سيكون محورياً في redefining الاستقرار المالي، مع اعتماد إطار مزدوج يجمع بين الرقابة على المخاطر الرقمية والعملات الرقمية للبنوك المركزية إلى جانب دعم المناخ والانتقال الأخضر. وتؤكد على أهمية التنسيق بين المؤسسات الدولية وتجنب التداخل في الاختصاصات حتى تظل آليات الأمن المالي أكثر تماسكًا وفاعلية.
المراكز المالية العالمية وأثرها الجغرافي
وتتناول الأستاذة الدكتورة منى صبحي نور الدين في مقالها “المراكز المالية العالمية أهميتها وتوزيعها الجغرافي وتأثيراتها الاقتصادية” الدور المحوري لهذه المراكز في توجيه التدفقات الرأسمالية وتعزيز التجارة والخدمات المالية عبر الحدود. وتوضح أن المراكز المالية أصبحت ركيزة أساسية للنمو العالمي من خلال توفير المنصات التي تدعم الابتكار وتطوير الأسواق والأدوات المالية الحديثة. كما تستعرض العوامل التي تحدد تنافسية المراكز مثل الإطار التنظيمي المستقر والبنية التحتية المتقدمة والتقدم التكنولوجي ورأس المال البشري، مع عرض لأبرز المراكز وفق مؤشرات الأداء وتوزيعها الإقليمي في أمريكا الشمالية وأوروبا وآسيا والشرق الأوسط. وتؤكد أن التوازن بين الانفتاح والشفافية والرقابة والاستدامة شرط أساسي للحفاظ على مكانة هذه المراكز وضمان مساهمتها الفاعلة في النمو الاقتصادي العالمي المستدام.
خاتمة وآفاق مستقبلية
يظل الاستقرار المالي العالمي عند مفترق طرق تاريخي يتقاطع فيه التحديات الاقتصادية مع التحولات التكنولوجية والبيئية والجيوسياسية، كما أظهرته تقارير الاستقرار المالي العالمي لصندوق النقد الدولي. وتؤكد النتائج أن الاستدامة ستحقق من خلال نهج أكثر تكاملًا في الحوكمة وتبني أدوات تكيّف مع المخاطر الرقمية والصدمات السيادية. وتبقى دور صندوق النقد الدولي الركيزة الأساسية في المنظومة مع مهام محدثة وتنسيق أقوى مع البنك الدولي وبقية المؤسسات، بما يعزز الشفافية وتوفير أدوات الدعم المناسبة. وتؤكد الخلاصة أن المراكز المالية العالمية ستظل عاملًا حاسمًا في تعزيز النمو العالمي المستدام وتوفير البيئة الملائمة لتوجيه الاستثمارات والابتكار عبر الحدود.


