أهم العوامل المساهمة في تكوِّن الشخصية السيكوباتية

أوضح الدكتور محمد المهدي أن تكوّن الشخصية السيكوباتية لا يعود إلى سبب واحد فحسب، بل تتعدد العوامل المساهمة. أظهرت الدراسات وجود عامل وراثي في بعض الحالات يتمثل في جينات أو اضطرابات في التركيب البيولوجي والكروموزومات قد تهيئ الشخص لاكتساب سمات سيكوباتية، إلا أن هذا العامل وحده ليس كافيًا. كما تعزّز وتفعّل العوامل البيئية والنفسية المعقدة هذه الاستعدادات وتدفعها إلى الظهور بشكل أقوى.

وأضاف أن البيئة التي ينشأ فيها الطفل تلعب دورًا حاسمًا في التكوين، خاصة طبيعة علاقة الوالدين بالطفل وحجم الصدمات في مراحل مبكرة. فالطفل الذي يعيش حياة مضطربة ويتنقل بين بيوت الأقارب أو يتعرض للفقد والإهمال وعدم الاستقرار قد يكوّن رؤية قاسية عن العالم يرى فيها الحياة صراعًا وأن الناس لا يؤتمنون. وقد يسعى لاحقًا لاستغلال الآخرين أو أخذ حقه بيده لضمان بقائه وعدم أن يصبح مظلومًا.

أخطر مرحلة في التطور

أخطر مرحلة في تكوين الشخصية السيكوباتية هي السنة الأولى من العمر. كشف أن حرمان الطفل من الحب والحنان والرعاية والدفء في هذه الفترة يولّد فقدان ثقة عميق يتجاوز الأم ليشمل العالم كله. هذا الإحساس لا يكون واعيًا أو لغويًا بل يُخزّن في الجسم والكيمياء الحيوية والنفسية، فينشأ الطفل وهو يحمله كرفض ونبذ يدفع لاحقًا نحو الانتقام من العالم.

السير الذاتية والبيئة المشجِّة للعنف

أشار إلى أن متابعة السير الذاتية للعديد من الشخصيات السيكوباتية العنيفة كشفت عن طفولات صادمة وقاسية. وقد تفسر بيئة المجتمع التي يسود فيها العنف والمخدرات والبلطجة ظهور هذه السمات كوسائل حماية للبقاء والقوة والسيطرة. وعندما يدخل الفرد مبكرًا في دائرة الجريمة والعقاب، تتشكل حلقة العنف والعنف المضاد ويتعلم من المجرمين أساليب جديدة.

أول وأخطر علامة ونطاق الانتشار

شدد الدكتور المهدي على أن أول وأخطر علامة يمكن رصدها هي الكذب والتلوّن والخداع والمراوغة. يستلزم ظهور هذه الصفات حذرًا شديدًا وعدم التعامل معه بنوايا مفرطة، لأن التساهل قد يوقع الإنسان في أذى نفسي أو مادي. كما يوضح أن وجود سمات سيكوباتية جزئية منتشر بين عدد أكبر من الناس، بينما تشكل السيكوباتية الكلية نسبة لا تتجاوز 1% من المجتمع.

مبادئ التعامل والوقاية

أعلن الدكتور المهدي أن التعامل مع الشخص السيكوباتي لا يكون بالعزل أو الإقصاء، وأن التفكير في قتله أو نفيه غير مقبول علميًا وإنسانيًا. يوضح أن وجود هذه السمات الجزئية يجعل الوعي ضروريًا في العلاقات الحساسة مثل الزواج والخطبة والمعاملات اليومية. تشير النصائح إلى الحفاظ على الثبات الانفعالي وعدم إظهار الخوف، وتجنّب مشاركة الأسرار أو كشف مكنونات النفس أمامه، وتقليل الاحتكاك به قدر الإمكان. يؤكد أن التشخيص يتم عبر متخصصين وأن وجود سمات جزئية لا يَعني بالضرورة السيكوباتية الكلية.

أهداف الإصلاح والدعم الإنساني

يؤكد أن الجمع بين الحزم والرحمة هو الأسلوب الأمثل، ولا يجوز الاعتماد على العقاب وحده. يذكر أن التحسن ممكن بوجود معاملة إنسانية ودعم صحيح، وأن بعض الحالات تستجيب لعلاج متخصص وتخفّف الأدوية مثل مضادات الذهان ومثبتات المزاج ومضادات الاكتئاب مع دعم علاجي للإدمان عند وجوده. كما يبرز أن الشخص السيكوباتي إنسان في النهاية، وقد مر بتجارب صادمة وبيئة عنيفة، فالتعامل معه يعتمد على جعل إمكانية الإصلاح واقعية.

نهج إنساني يساعد الإصلاح

وأضاف أن كثيرًا من التحولات الإيجابية تبدأ من موقف إنساني صادق، حيث قد يقابل الشخص السيكوباتي أخصائيًا اجتماعيًا أو مسؤولًا يشعر به ويتفهم معاناته، ويساعده فعليًا على إيجاد باب رزق حياة مستقرة. وهذا الدعم يمكن أن يؤدي إلى تخليه عن العنف والبلطجة والاعتداء والتحول إلى العمل الشريف والاستقرار الاجتماعي. ويؤكد أن العلاج ليس محصورًا بالعزل بل قد يشمل أدوية وتدعيم العلاج النفسي والإدمان، ما يخفف من السمات السيكوباتية. ويختم بأن الإنسان السيكوباتي غالبًا يعاني من طفولة قاسية وتربية مضطربة، فيدعو إلى اعتماد نهج يحترم الإنسان ويدفع للإصلاح بدل النبذ.

شاركها.
اترك تعليقاً