يؤكد التقرير أن الكفاءات البشرية الماهرة تشكّل أحد أهم ركائز القوة الاقتصادية والاجتماعية للدول وتُعد الثروة الحقيقية ومحرك التنمية الشاملة والمستدامة. وتساهم في تعزيز التنافسية الوطنية وتحسين جودة الحياة. وفي هذا الإطار، تبنت مصر خلال العقد الأخير نهجًا تنمويًا يرتكز على الاستثمار في رأس المال البشري كأساس للنمو الاقتصادي المستدام.

أوضح التقرير أن الاستثمار في رأس المال البشري يمثل الركيزة الأساسية لتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز القدرة التنافسية في الاقتصاد المعاصر. وتنمية المهارات والمعارف والإمكانات البشرية تمثل الأساس الذي يُبنى عليه الابتكار والإبداع، وتُمكّن الدول من التكيف مع التغيرات السريعة في سوق العمل والتكنولوجيا. وأشار التقرير إلى تكثيف الدولة استثماراتها في التنمية البشرية خلال الاثني عشر عامًا الماضية حيث وجّهت نحو 7.6 تريليونات جنيه لقطاعات التعليم والصحة والحماية الاجتماعية والثقافة والشباب والرياضة والبنية الرقمية. ارتفعت نسبة الاستثمارات المخصصة للتنمية البشرية من 17% في العام المالي 2014/2015 إلى 28% في العام المالي 2025/2026، مع تنفيذ مبادرات كبرى مثل مبادرة حياة كريمة التي خصّص نحو 70% من استثماراتها لبناء الإنسان وتحسين جودة الحياة، خصوصًا في صعيد مصر والمناطق الأكثر احتياجًا. ونُفِّذت سياسات الانضباط المالي لخلق حيز إضافي للإنفاق الاجتماعي ودعم مستويات الإنفاق الدستوري على الصحة والتعليم.

جهود الدولة في تعزيز رأس المال البشري

أعلنت الدولة عن تطوير منظومة التعليم الأساسي والفني والتدريب المهني عبر إنشاء الهيئة المصرية لضمان الجودة والاعتماد في التعليم الفني والتقني والتدريب المهني (إتقان)، وتطوير 230 برنامجًا وتخصصًا وفق منهجية الجدارات المهنية بنسبة 85%. وعُقدت 90 شراكة مع القطاع الخاص لدعم التعليم والتدريب المزدوج. ومن أبرز البرامج والمبادرات التي تُعزز هذا المسار: مبادرة براعم مصر الرقمية، مبادرة أشبال مصر الرقمية، ربط التعليم الفني باحتياجات المشروعات القومية، مراكز التميز، المدارس التكنولوجية التطبيقية، المدارس الفنية الصناعية، المدارس الفنية الزراعية، إضافة إلى التعاون والشراكات مع شنايدر إلكتريك، بي. تك، أوراسكوم والمقاولون العرب وفودافون مصر.

تسعى مصر إلى تطوير منظومة التعليم الجامعي لتعزيز جاهزية الخريجين لسوق العمل من خلال تحديث منظومة التعليم الجامعي بما يتوافق مع احتياجات الاقتصاد والتطورات التكنولوجية الحديثة، ودمج التعليم الأكاديمي بالمهارات العملية لضمان قوة عاملة مؤهلة ومَرِنّة. وتضم هذه الاستراتيجية مبادرات مثل الجامعات التكنولوجية ومراكز تطوير مهني، والجامعة المصرية اليابانية ومبادرات التعلم التكنولوجي ورواد مصر الرقمية ومبادرة الرواد الرقميون وأكاديمية عالم البيانات العملية بالتعاون مع أمازون. تهدف هذه الجهود إلى إعداد خريجين قادرين على التكيف مع متطلبات القطاعات الاقتصادية المختلفة والمساهمة في التنمية المستدامة.

تعزز مصر التوظيف وسد فجوة المهارات عبر آليات متعددة. بلغ إجمالي ما أنفقه صندوق تمويل التدريب والتأهيل منذ تأسيسه عام 2002 وحتى أكتوبر 2025 نحو 362 مليونًا و500 ألف جنيه. وتشمل هذه الآليات مبادرة التأهيل من أجل التوظيف، وقطاع خدمات تكنولوجيا المعلومات/خدمات التعهيد، وقطاع الإلكترونيات وأشباه الموصلات، إضافة إلى منصة آفاق المهن والتوظيف التي توفر بيانات دقيقة عن أكثر من 400 مهنة تمثل 98% من القوى العاملة. كما تشمل الأكاديمية الوطنية للتدريب، وإنشاء مراكز عمل تدريبية، ومشروع مهني 2030 الذي أطلقته وزارة العمل ضمن المحاور التنفيذية للاستراتيجية الوطنية، إضافة إلى وحدة توجيه ما قبل المغادرة ومبادرة مصر تصنع الإلكترونيات.

التطلعات والرؤى المستقبلية

في ضوء فجوة المهارات والتغيرات المتسارعة في سوق العمل حتى عام 2030، يتطور مستقبل العمل باستمرار وتظهر مهارات جديدة أكثر تعقيدًا مثل التفكير التحليلي والابتكار والمهارات الرقمية والقدرة على التعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي. تؤكد الرؤى المستقبلية على ضرورة تعزيز الشراكة بين مؤسسات التعليم وسوق العمل وتحديث المناهج وتضمين المهارات المستحدثة وتطوير أساليب التدريس والتركيز على التعلم التطبيقي والتدريب الميداني. كما تبرز مهارات رقمية ولغوية وشخصية وتحليل المهارات العالمية وتصميم برامج تدريبية متوافقة مع الاقتصاد القائم على المعرفة لتعزيز القدرة التنافسية محليًا وإقليميًا ودوليًا.

يؤكد التقرير أن مواصلة الجهود تتطلب استمرارية تعزيز مهارات القوى العاملة وربط التعليم والتدريب باحتياجات الاقتصاد، مع التركيز على التعلم المستمر وتنمية المهارات الرقمية والتقنية والشخصية. ومن خلال الاستثمار في الإنسان يمكن تحقيق اقتصاد قائم على المعرفة ومجتمع قادر على الابتكار وقوة عاملة مرنة وقادرة على المنافسة محليًا وإقليميًا ودوليًا. وتُشير المؤشرات الدولية إلى تحسن ملحوظ في مستويات الصحة والتعليم والالتحاق بالتعليم، وهو ما يعكس أثر السياسات والمخصصات في تعزيز رأس المال البشري طويل الأجل.

شاركها.
اترك تعليقاً