يُعد الكبد أحد أهم أعضاء الجسم الحيوية، إذ يقوم بتنقية الدم من السموم والمشاركة في هضم الطعام وتخزين العناصر الغذائية وتنظيم عمليات الأيض. ورغم قدرته على التكيف والتجدد، فإن هذه المصفاة الطبيعية ليست محصنة ضد التلف عند استمرار ممارسات يومية خاطئة. وتشير تقارير طبية إلى أن أمراض الكبد غالباً ما تتطور بصمت، ففي مراحلها الأولى قد لا تتجاوز الأعراض شعوراً بالإرهاق أو الغثيان. وعندما تتفاقم الحالة قد تظهر علامات مثل اليرقان بسبب اصفرار الجلد وبياض العينين. وعلى الرغم من الاعتقاد بأن الكحول هو المتهم الأول، فإن الواقع يظهر أن عادات يومية شائعة قد تلحق بالكبد أضراراً كبيرة دون أن يشعر الإنسان.
نظام غذائي يرهق الكبد
يمكن أن يؤدي النظام الغذائي غير الصحي إلى تراكم الدهون في الكبد، مما يسبب ما يعرف بمرض الكبد الدهني غير الكحولي. مع مرور الوقت، قد يتطور التراكم إلى التهاب وتندب، وصولاً إلى تليف الكبد. الأفراد الذين يعانون من زيادة الوزن وتحديداً الدهون المتراكمة في منطقة البطن، إضافة إلى مرضى السكري وارتفاع ضغط الدم والكوليسترول، هم الأكثر عرضة لهذا الخطر. تلعب الأطعمة الغنية بالدهون المشبعة مثل اللحوم الحمراء والمقليات والمنتجات المصنعة دوراً رئيسياً في زيادة العبء على الكبد، كما تشكل المشروبات السكرية خطراً مضاعفاً، إذ أشارت دراسة إلى أن استهلاكها بكثرة يرفع خطر الإصابة بالكبد الدهني بنسبة تصل إلى 40%.
بالمقابل، يساهم اتباع نظام غذائي متوازن يعتمد على الأطعمة الكاملة والطازجة في حماية الكبد وربما المساعدة في تقليل الدهون المتراكمة عليه. ويؤكد الاعتماد على أطعمة كاملة وتقليل السكريات والمواد المعالجة نتائج إيجابية في الوقاية من تفاقم الحالة. يوفر التوازن الغذائي دعماً كبيراً في تقليل عوامل الخطر المرتبطة بضغط الدم والكوليسترول والسكر، وهو ما ينعكس بشكل إيجابي على وظائف الكبد.
الإفراط في مسكنات الألم
يُرتكز استخدام مسكنات الألم الشائعة مثل الباراسيتامول على آلية قد تسبب ضرراً للكبد عند الإفراط في استخدامها. عند تفكيك الجرعات العالية، ينتج الكبد مادة سامة تعرف بـNAPQI، وتكون عادة محايدة بوجود الغلوتاثيون. ولكن عند تجاوز الجرعات وتدني مخزون الغلوتاثيون، يزداد تراكم السموم وتهاجم خلايا الكبد، وهو ما قد يؤدي إلى فشل كبدي حاد. ويرتفع الخطر حين يُستهلك الدواء مع الكحول، حتى بجرعات تبدو بسيطة، لذا ينبغي الالتزام بالجرعات الموصى بها واستشارة الطبيب عند الحاجة المستمرة.
تُعد هذه المخاطر أحد العوامل التي تدعو إلى الحذر عند استخدام المسكنات وتجنب الجمع بينها وبين الكحول. كما يجب الانتباه إلى الحاجة إلى استشارة مختص عند استمرار الألم أو الحاجة المتكررة لتناول الدواء. يظل الالتزام بجرعات موصى بها وتوقيت مناسب بين الجرعات مَن أهم خطوات الوقاية من أضرار الكبد الناتجة عن المسكنات.
قلة الحركة
ينعكس نمط الحياة الخامل سلباً على صحة الكبد إلى جانب القلب، إذ يسهم في زيادة الوزن ومقاومة الإنسولين واضطرابات التمثيل الغذائي، وكلها عوامل تعزز تراكم الدهون داخل الكبد. وتؤكد الدراسات أن ممارسة الرياضة حتى ولو لم تفقد الوزن بشكل ملحوظ تحدث فروقاً ملحوظة في صحة الكبد. فقد أظهرت أبحاث أن تمارين المقاومة لمدة 8 أسابيع قد تقلل دهون الكبد بنسبة حوالي 13%. كما أن المشي السريع المنتظم لمدة 30 دقيقة خمس مرات أسبوعياً يساهم في تحسين حساسية الإنسلين وتقليل الدهون المتراكمة.
باختصار، تحسن الحركة المنتظمة يخفف العبء على الكبد ويحسن وظائفه، وهو جزء أساسي من الوقاية من الكبد الدهني غير الكحولي ويدعم الأداء العام للجسم بشكل عام.
التدخين.. خطر لا يستهان به
لا يقتصر ضرر التدخين على الرئتين والقلب فحسب، بل يمتد ليصيب الكبد بشكل مباشر. فدخان السجائر يحتوي على آلاف المواد السامة التي تزيد العبء على الكبد أثناء محاولته تنقيته. ومع مرور الوقت، يؤدي ذلك إلى الإجهاد التأكسدي وتلف خلايا الكبد واضطراب تدفق الدم، ما يمهد للإصابة بتليف الكبد وزيادة خطر سرطان الكبد.
وتشير أبحاث السرطان في المملكة المتحدة إلى أن التدخين مسؤول عن نحو 20% من حالات سرطان الكبد، وهو ما يجعل التدخين واحداً من أخطر العوامل الصامتة التي تهدد صحة هذا العضو الحيوي. ويؤكد الخبراء أن تعديل نمط الحياة عبر اتباع تغذية صحية وممارسة النشاط البدني وتجنب التدخين وسوء استخدام الأدوية يمثل دفاعاً أساسياً ضد تدهور وظيفة الكبد.


