آلية القهوة في الدماغ

تشير الدراسات إلى أن المادة الفعالة في القهوة هي الكافيين، وهو لا يمنح الطاقة مباشرة، بل يؤثر في منظومة كيميائية دقيقة داخل المخ توجد مادة عصبية تسمى الأدينوزين المسؤولة عن الشعور بالتعب والنعاس. عندما يظل الإنسان مستيقظًا لفترة طويلة يتراكم الأدينوزين في الدماغ، ما يخفض اليقظة ويقلل التركيز مع طول مدة السهر. يعمل الكافيين بعد ذلك على حجب مستقبلات الأدينوزين مؤقتًا، فيؤخر الإحساس بالنعاس ويزيد اليقظة؛ غير أن طريقة الاستجابة لهذا التأثير تختلف من شخص لآخر بسبب فروقات بيولوجية ونفسية. بناءً على ذلك، تبرز فروق ملحوظة بين الأفراد في مدى تأثير القهوة على اليقظة، وتظهر ارتباطات بتوقيت الاستيقاظ والحالة النفسية.

الاختلاف الوراثي في تكسير الكافيين

تكشف الدراسات الوراثية أن نسبة من الناس تبطئ في تكسير الكافيين في الكبد، وتقدر بنحو أربعين في المئة. وهذا البطء يجعل للكافيين تأثيرًا أقل منبّهًا أو حتى قد يعكسه ويشعر الشخص بالنعاس بدل اليقظة. وهذا يعتمد على جين معين يؤثر في سرعة التمثيل الغذائي للكافيين ويُظهر تباينًا واضحًا بين الأفراد.

الإرهاق الشديد وتأثير القهوة

في حالات السهر الطويل وقلة النوم، يصبح الدماغ مشبعًا بالأدينوزين، المسؤول عن الإحساس بالتعب والنوم. عندما تكون نسبة الأدينوزين عالية، قد لا ينجح الكافيين في كبح الشعور بالنوم كما هو متوقع، وربما لا يتحسن الانتباه أو حتى يسود الإحساس بالنوم رغم شرب القهوة. كما تُظهر أبحاث النوم أن نسبة كبيرة من الأشخاص المحرومين من النوم لا يستجيبون جيدًا للقهوة، وبعضهم يشعر بالنعاس مع تناولها.

القلق والاكتئاب والاعتياد

يزيد الكافيين من التوتر والسرعة في ضربات القلب لدى بعض الأشخاص، ثم يتبعه هبوط عصبي. وتوضح الدراسات أن مرضى القلق المزمن أكثر عرضة للشعور بالنعاس بعد شرب القهوة مقارنةً بالآخرين. كما يؤدي الاعتياد المزمن على القهوة إلى زيادة عدد مستقبلات الأدينوزين مع الوقت، فيقل تأثير الكافيين وتظهر أحيانًا آثار عكسية من النعاس والخمول.

من يوقظهم القهوة؟

تؤكد التقديرات وجود فئة محدودة تشعر بالنشاط بعد شرب الكافيين بسبب سرعة تكسيره في الكبد وتوازن كيمياء المخ عند عدم وجود إرهاق. أشارت الإحصاءات الأوروبية إلى أن نحو ثلث الناس لديهم استجابة مُنبهة واضحة وثابتة للقهوة. ويختلف هذا التأثير بين الجنسين؛ فغالباً ما يظهر عند الرجال بشكل أوضح في حالات النوم الجيد وعدم الإرهاق، بينما قد يتأخر أو يزداد التعكير عند النساء بسبب العوامل الهرمونية.

تشير الدراسات إلى أن الحمل أو استخدام موانع الحمل الهرمونية يجعل تكسير الكافيين أبطأ، ما يزيد من احتمالية النعاس والقلق والصداع بعد شرب القهوة. كما يظهر أن سرعة الاستجابة للحبة المنبهة تختلف أيضًا مع التقدم في العمر؛ فاضطرابات النوم تصبح أكثر شيوعًا بين كبار السن مقارنة بالشباب، ما يعزز أهمية توقيت الشرب والتزام النوم المنتظم. وتعود الاستجابة لدى الرجال إلى سرعة التكسير عندما يكون النوم كافيًا وتوازن الوضع الصحي مستقرًا.

هل توقيت شرب القهوة مهم؟

يؤكد توقيت شرب القهوة أنه يؤثر بشكل كبير على مقدار اليقظة التي يتناولها الشخص. فشربها فور الاستيقاظ قد يزيد النعاس بسبب ارتفاع معدل الكورتيزول في هذه الفترة. لذا يعتبر أفضل وقت للشرب بعد مرور ساعة إلى ساعتين من الاستيقاظ، حيث أظهرت الدراسات أن هذا التوقيت يحسن التركيز والانتباه بنحو ثلاثين بالمئة عند الالتزام به.

نصائح لتخفيف القلق المرتبط بالقهوة

يجب فهم أن استجابة القهوة تختلف من شخص لآخر، فالشعور بالتوتر أو الخفقان أو النعاس لا يعكس وجود خلل بل يعكس نمطًا فريدًا في كيمياء المخ. كما يساعد تنظيم توقيت شرب القهوة وعدم شربها أثناء الإرهاق أو التوتر في تقليل الحمل على الجهاز العصبي، مع الالتزام بنوم منتظم ونشاط يومي هادئ. ويرتبط الاستقرار العصبي بنمط حياة هادئ يحافظ على النوم الكافي والتوازن النفسي والجسدي، ما يجعل تأثير القهوة أكثر اتزانًا وأقل احتمالًا للقلق أو الاضطراب.

ينبغي الانتباه إلى الحالة النفسية السابقة والضغوط المزمنة لأنها تجعل المخ أكثر حساسية لأي منبه، وبالتالي قد تكون القهوة مجرد عامل كاشف وليس السبب الحقيقي. وتجنب تضخيم الإحساس بالأعراض يساعد في تقليل التوتر الناتج عنها. وفي نهاية المطاف، يجب أن تكون الاستجابة الفردية للقهوة محل فهم واحترام وعدم توقع أن تكون فنجان واحد مناسب للجميع.

شاركها.
اترك تعليقاً