يصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تحليلًا جديدًا حول آفاق صناعة الغزل والنسيج، ويؤكد أن القطاع من أقدم وأهم الصناعات التحويلية في العالم ويشكل أحد أعمدة التنمية الاقتصادية والصناعية في كثير من الدول. ويبيّن أن الغزل والنسيج لعب دورًا محوريًا في الثورة الصناعية الأولى ولا يزال من أبرز الصناعات المولّدة للوظائف، خاصة في الدول ذات الكثافة السكانية العالية. كما يوضح أن سلاسل الإنتاج تمتد من زراعة القطن وإنتاج الألياف إلى الغزل والنسيج والصباغة والتجهيز، وصولًا إلى الملابس الجاهزة والتصدير، مما يجعل القطاع صناعة متكاملة ذات أثر واسع على الاقتصاد. وتبرز الوثيقة أن الاستثمار في هذا القطاع قادر على اجتذاب الموارد المحلية والأجنبية بفضل طاقته التشغيلية العالية وإمكاناته في التحديث وتدعيم التجارة العالمية.

تشير التقديرات إلى أن سوق المنسوجات العالمي بلغ نحو 1.11 تريليون دولار في عام 2024، ويتوقع أن يصل إلى 1.61 تريليون دولار بحلول عام 2033، بمعدل نمو سنوي مركب قدره 4.2% بين 2025 و2033. ويرجع ارتفاع الطلب إلى انتشار الموضة السريعة، والتحضر، وارتفاع الدخل القابل للإنفاق في الاقتصادات الناشئة، مع تزايد تفضيل المستهلكين للملابس العصرية والمريحة ومنخفضة التكلفة. كما بلغ عدد العاملين في قطاع المنسوجات والملابس والجلود والمنتجات ذات الصلة نحو 99.5 مليون عامل في عام 2023، مقابل 90.5 مليون في عام 2020.

بلغت صادرات قطاع المنسوجات العالمي نحو 897.1 مليار دولار في عام 2024، بينما بلغت الواردات نحو 793.3 مليار دولار في الفترة نفسها. وتشكّل المنسوجات والملابس نحو 3.7% من صادرات السلع العالمية في عام 2022، ويركز إنتاجها في آسيا بحصة تبلغ نحو 70.6% من الصادرات العالمية في 2022، يليها أوروبا بنحو 21.1%. كما جاءت الصين في المركز الأول في صادرات خيوط النسيج بقيمة تقارب 15.1 مليار دولار في 2024، وتلتها الهند بنحو 5.2 مليارات دولار.

الوضع في مصر

يُعَدّ قطاع الغزل والنسيج في مصر أحد المكوّنات الأساسية لصناعة المنسوجات والملابس، ويضم نحو 11 ألف مصنع. وتبلغ قيمة صادرات القطاع 1.1 مليار دولار في 2023، وهو ما يمثل نحو 27.4% من إجمالي صادرات قطاع المنسوجات والملابس المصري، بينما سجلت وارداته 3 مليارات دولار في العام نفسه. وتؤكد البيانات أن القطاع يعتمد بشكل ملحوظ على المواد الخام المستوردة، بما يعكس الحاجة إلى تعزيز الإنتاج المحلي.

ومن المتوقع أن يصل ناتج قطاع المنسوجات في مصر إلى نحو 3.07 مليارات دولار في 2025، مع توقع نمو سنوي مركب قدره 2.87% خلال الفترة 2025–2029. وتبقى الملابس الجاهزة أكبر نشاط داخل القطاع، إذ تستحوذ على نحو 70% من حجم الصناعة وتوفر نحو 20% من فرص العمل، وتضم 3169 مصنعًا، وبلغت صادراتها 2.4 مليار دولار في 2023. كما يمثل قطاع المفروشات المنزلية عنصرًا مهمًا، حيث يضم 853 مصنعًا وتصديراته بلغت 542 مليون دولار في 2023، بما يمثل نحو 13.3% من إجمالي صادرات المنسوجات والملابس، بينما سجلت وارداته 35 مليون دولار فقط. وبالنسبة للقطن، أشار التحليل إلى زيادة صادرات مصر من القطن للموسم الزراعي 2022/2023 بنسبة 36.5%، ليصل إجمالي الكمية المصدرة إلى 1.5 مليون قنطار متري حتى أغسطس/سبتمبر 2023، مقارنة 1.1 مليون قنطار في 2022. وتؤكد البيانات أن الهند هي أكبر مستورد للقطن المصري بمقدار 715 ألف قنطار متري وهو ما يمثل 48.9% من إجمالي الصادرات للموسم 2022/2023.

نماذج عالمية ورؤى الإصلاح

الصين: سياسة التطوير الشاملة

اعتمدت الصين خطة عمل لبناء صناعة نسيج حديث وتطوير عالي الذكاء والأخضر، بهدف بناء نظام صناعي حديث عالي الكفاءة والأمان. وأُطلق المخطط التنفيذي لبناء نظام صناعة نسيج حديث (2022–2035) في 27 أغسطس 2023، بعد إعداده في نوفمبر 2022. كما توسّعت في المناطق الصناعية الخاصة SEZs لتجميع المصانع وتقليل التكلفة وتحسين سلاسل الإمداد. وكلفت SASAC بإدارة وإعادة هيكلة الأصول الحكومية في قطاع المنسوجات، وبُقي CNTIC هيئة غير حكومية لتوجيه الصناعة وتقديم خدمات استشارية.

ومن نتائج هذه السياسات تسجيل الصين صادرات منسوجات بقيمة كبيرة في 2024 وتوجيه الوجهات إلى الولايات المتحدة وفيتنام واليابان وكوريا الجنوبية وبنجلاديش، مع تعزيز قطاع المنسوجات المنزلية بتوسع ملحوظ في 2023. وتؤكّد الاستراتيجيات على بناء منظومة صناعية حديثة يتكامل فيها التطوير الراقي والتكنولوجيا الخضراء مع تعزيز سلاسل الإمداد عبر المناطق الصناعية وتحديث أطر الحوكمة الحكومية المرتبطة بالقطاع.

الهند: دعم التحول والتصنيع المحلي

أظهرت الهند زيادة القيمة المضافة الأجنبية من صادرات منتجات المنسوجات والملابس من 2017 إلى 2022 بنحو 23.2%، وهو انعكاس لسياسات تشجيع التصنيع المحلي. وتضمنت الإجراءات إطلاق برنامج تحديث التكنولوجيا في صناعة النسيج (TUFS) الذي وفر تمويلًا مدعومًا للمصانع التي تستثمر في آلات حديثة وخطوط إنتاج جديدة، مما ساهم في خفض تكاليف الإنتاج وزيادة الإنتاجية. كما تضمن إطار الهند استراتيجية India 2047 – Vision and strategic roadmap for technical textiles ووثيقة برامج الحوافز الإنتاجية (PLI) للملابس والمنسوجات المنزلية (أكتوبر 2022)، بهدف جذب الاستثمارات وتقليل الاعتماد على واردات مستلزمات وإكسسوارات المنسوجات. وكذلك أُطلق برنامج SIAM لدعم روّاد الأعمال في مجال تصنيع الملابس الجاهزة عبر توفير مساحات عمل جاهزة وخدمات تسهّل دخول الشركات الناشئة إلى سلاسل التوريد والمصنعين.

تركيا: تعزيز القيمة المضافة والتسهيلات

حقّقت تركيا زيادة في القيمة المضافة لصادراتها من المنسوجات والملابس بنسبة 10.9% بين 2017 و2022، وتلعب اتفاقية الاتحاد الجمركي مع الاتحاد الأوروبي منذ 1995 دورًا حاسمًا في تعزيز التجارة وخفض التكاليف. وتركّز تركيا على تعزيز المنسوجات التقنية عبر إنتاج منسوجات السيارات والصناعات الصحية والتعبئة والتغليف، إضافة إلى إنشاء مراكز إنتاج مثل Tekstilkent في إسطنبول لمعالجة مشكلات البنية التحتية والنقل. كما وفّرت الحكومة التركية حوافز للقطاعات الإنتاجية، مثل الإعفاء الجمركي لواردات آلات الغزل لشركة Arsan Tekstil في 19 يونيو 2023، بما يدعم تحديث القطاع وتوسعته عالميًا.

التوجهات المصرية المقترحة

تؤكد التحليلات أن النهوض بقطاع الغزل والنسيج يمثل أولوية استراتيجية للدولة لتعزيز القدرة الإنتاجية وزيادة القيمة المضافة وتوسيع الصادرات. ويرتبط ذلك بإطلاق مشروع قومي لتحديث المصانع والآلات وتطوير البنية التحتية بالشراكة مع القطاع الخاص، مع دعم مستمر للعمالة وتدريبها وفق أحدث المعايير. وينبغي حماية المنتج الوطني وربط المنشآت الصغيرة والمتوسطة مع الكبيرة وتحديد الصناعات المكملة وتوفير حوافز للاستثمار في المناطق الصناعية المحددة، إضافة إلى مبادرة وطنية لتصنيع الآلات والمعدات وتبني التكنولوجيا الحديثة واستخدامها في سلاسل الإنتاج. كما يتطلب الأمر تعزيز الإنتاجية في الغزل والخيوط وتطوير برامج تدريب متخصصة لإعداد العمالة المهارة القادرة على تشغيل التقنيات المتقدمة.

تؤكّد النتائج أن قطاع الغزل والنسيج ليس مجرد قطاع إنتاجي فحسب، بل ركيزة صناعية تدعم الأمن الصناعي وتحقق التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وتُبرز أهمية تبني سياسات تشجّع الابتكار وتحسين جودة المنتجات وتوطين التصنيع من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص. وتبقى ضرورة مواكبة التطورات الرقمية والتكنولوجية والاعتماد على الاستدامة في سلاسل الإمداد ضرورة لاستمرار قطاع قوي ومنافسة عالمية على المدى الطويل.

شاركها.
اترك تعليقاً