تعلن منظمة الصحة العالمية أن عام 2025 كان عاماً حافلاً بالإنجازات والتحديات في الصحة العالمية. وسط التخفيضات الكبيرة في التمويل وتزايد التهديدات التي تواجه العلم والتضامن، واصلت المنظمة قيادة ودعم الجهود العالمية لمواجهة أبرز التحديات الصحية في عصرنا. كما أكدت المنظمة أن الانجازات شملت مكافحة الأمراض والوقاية والرعاية الصحية الأساسية وتحسين الخدمات في مختلف المناطق. مع ذلك تظل الفجوات في الاستثمار والرعاية الأساسية تشكل عائقاً أمام تحقيق أهداف الصحة العالمية.

انتصارات في مكافحة الأمراض

حقق عام 2025 انتصارات كبيرة في مكافحة الأمراض، بينها القضاء على التراخوما في بوروندي ومصر وفيجي، وقضت غينيا وكينيا على مرض النوم، وأصبحت النيجر أول دولة إفريقية تقضي على داء العمى النهري. كما أظهر تقرير منظمة الصحة العالمية انخفاضاً بنسبة 32% في عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى علاج من الأمراض المدارية المهملة منذ 2010، حيث بلغ العدد 867 مليوناً في 2023. وفي ما يتعلق بالتحديات المستمرة، سجلت وفيات السل انخفاضاً في أفريقيا بنسبة تقارب 46% وفي أوروبا بنسبة 49% خلال العقد الماضي، مع بقاء نحو 1.2 مليون وفاة في 2024 بسبب عوامل الخطر المصاحبة. وفي مكافحة الملاريا، شهدت الدول توسيعاً في استخدام اللقاحات الموصى بها وتقدماً في الجهود الوقائية، ليصل الإجمالي إلى 24 دولة ويصل عدد الأطفال المحصّنين إلى نحو 10 ملايين سنوياً.

التوسع المستمر في برامج التطعيم

بدعم من منظمة الصحة العالمية وشركائها، واصلت الدول توسيع نطاق التطعيمات للوقاية من أمراض مثل الحصبة والمكورات الرئوية وشلل الأطفال وفيروس الورم الحليمي البشري HPV. وفي 17 نوفمبر، وهو اليوم العالمي الأول للقضاء على سرطان عنق الرحم، أعلنت المنظمة عن تطعيم 86 مليون فتاة ضد HPV. كما وسّعت دول مثل بوتان والبرازيل والصين وإندونيسيا ونيجيريا وتاجيكستان وباكستان ورواندا نطاق الفحص والتطعيم ضد HPV، ما قرب العالم من القضاء على سرطان عنق الرحم.

انخفاض وفيات الحصبة

أسفرت الجهود العالمية للتحصين عن انخفاض وفيات الحصبة بنسبة 88% بين 2000 و2024، وأكّدت المنظمة أن التطعيم أسهم في إنقاذ نحو 59 مليون شخص منذ 2000. ورغم هذا التقدم، ارتفعت حالات الإصابة بالحصبة إلى نحو 11 مليوناً في 2024، وهو مستوى يتطلب تغطية لا تقل عن 95% من السكان بجرعتين لمنع الانتشار. كما أشارت البيانات إلى أن 89% من الرضع في العالم تلقوا جرعة واحدة على الأقل من لقاحات DTP في 2024، بينما فشل نحو 20 مليون طفل في الحصول على اللقاحات الأساسية بسبب النزاعات واضطرابات الإمداد والمعلومات المضللة.

حياة أكثر صحة بلا تدخين

أظهر تقرير منظمة الصحة العالمية عن الإحصاءات الصحية لعام 2025 أن 1.4 مليار شخص إضافي يتمتعون بحياة صحيّة بفضل انخفاض استهلاك التبغ ونقاء الهواء وتحسن جودة المياه والصرف الصحي. كما انخفضت معدلات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية والسل، وتقلّصت أعداد المحتاجين للعلاج من الأمراض المدارية المهملة. وعلى الرغم من هذه النجاحات، يبقى التقدّم نحو زيادة التغطية للخدمات الصحية الأساسية وحماية الصحة في حالات الطوارئ بطيئاً، وتبقى وفيات الأمومة والطفل بحاجة إلى تعزيز الاستثمار وتحسين الرعاية. وتؤكد الحملة ضرورة تعزيز الرعاية الصحية الأولية وتطوير أنظمة صحية تقودها النساء وتوسع نطاق الحماية الصحية الشاملة.

نحو أنظمة صحية عادلة

تشير أحدث تقارير الصحة العالمية والبنك الدولي لعام 2025 إلى أن معظم البلدان أحرزت تقدماً في توسيع تغطية الخدمات الصحية وتخفيف الأعباء المالية المباشرة، بينما انخفضت نسبة السكان الذين يدفعون تكاليف الرعاية من جيوبهم من 34% إلى 26% بين 2000 و2022. وتبقى الفئات الأشد فقراً تتحمل العبء الأكبر، حيث يعيش 1.6 مليار شخص في فقر مدقع أو مهدّدون بفقدان الحماية بسبب تكاليف الرعاية. وتدعو المنظمة إلى توفير الرعاية الصحية الأساسية مجاناً للمحتاجين في فقر وهشاشة، وزيادة الاستثمار العام في النظم الصحية ورعاية الأمراض المزمنة. كما أطلقت المنظمة مركز المعرفة المعني بتغطية الرعاية الصحية الشاملة في طوكيو لتعزيز بناء القدرات وتبادل المعرفة حول تمويل صحي أكثر عدالة وفعالية.

التزام تاريخي بمعالجة الأمراض غير المعدية

اعتمد قادة العالم أقوى إعلان سياسي حتى الآن بشأن الأمراض غير المعدية والصحة النفسية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ويضع رؤية لعام 2030 مع أهداف طموحة مثل خفض عدد المدخنين بمقدار 150 مليوناً، وزيادة عدد الأشخاص الذين تحت السيطرة على ارتفاع ضغط الدم بمقدار 150 مليوناً، وتوسيع خدمات الرعاية الصحية النفسية بمقدار 150 مليوناً. وتؤكد الاستراتيجيات أن الدهون المتحولة قد انتهت من الإمدادات الغذائية في عدة دول، مع اعتماد سياسات تغطي نحو 60 دولة تشمل نصف سكان العالم. كما تبرز التحديات المرتبطة بالسمنة وتوصي باستخدام علاجات GLP-1، وتوضح أن نحو 120 مليون شخص أبلغوا عن quits من التبغ منذ 2010 رغم وجود ملايين آخرين لا يزالون مدمنين عليه.

اتفاقية مكافحة التدخين والتبغ

تشير المنظمة إلى أن الاتفاقية الإطارية بشأن مكافحة التبغ تبلغ عامها العشرين، وهي أول معاهدة دولية تتعامل معها وتغطي الآن أكثر من 90% من سكان العالم عبر تشريعات التدخين والتحذيرات الصحية وزيادة الضرائب. وتدفع المنظمة نحو مبادرة 3 بحلول عام 2035، وهي جهد عالمي يهدف إلى تقليل استهلاك ثلاثة منتجات ضارة – التبغ والكحول والمشروبات السكرية – من خلال زيادات ضريبية يمكن أن تجمع تريليون دولار من الإيرادات العامة بحلول 2035.

الرعاية الصحية النفسية وحقوق الإنسان

تؤكد منظمة الصحة العالمية أن الصحة النفسية حق من حقوق الإنسان، ويتنفس أكثر من مليار شخص من اضطرابات نفسية دون وصول كافٍ للرعاية. وتحث على الاستثمار في الخدمات ودمج الصحة النفسية في الرعاية الصحية الأولية، وتخفيف الوصمة وتوسيع نطاق مبادرة الحقوق والجودة عالميًا. وتؤكد أن واحداً من كل أربعة أشخاص في حالات الطوارئ يعاني اضطراباً نفسياً، وتدعم الدول بنشاط وجود آليات لضمان الدعم النفسي والاجتماعي في حالات الطوارئ، وتشارك في تقديم الدعم الصحي النفسي في أكثر من 40 حالة طارئة عبر 600 متخصص.

لا علاقة لللقاحات بالتوحد

تستند المنظمة إلى أحدث الأدلة العلمية وتؤكد عدم وجود علاقة سببية بين اللقاحات والتوحد. وتعيد المنظمة تشكيل مشورتها العلمية المستقلة لضمان وصول العائلات إلى معلومات دقيقة وتوجيهات قائمة على الأدلة حول اللقاحات الجديدة والتشخيصات والعلاجات.

الممارسات المتعلقة بتشخيص وعلاج التهاب السحايا

أصدرت منظمة الصحة العالمية توجيهات قائمة على الأدلة لتوجيه الممارسات في تشخيص وعلاج التهاب السحايا ونزيف ما بعد الولادة وداء السكري أثناء الحمل واستخدام رعاية الأم الكنغر للأطفال الخدج واختيار أدوية السرطان الملائمة للأطفال وتدابير الاستماع الآمن أثناء ممارسة الألعاب. وفي أكتوبر أطلقت المنظمة المنتدى العالمي للتجارب السريرية للنهوض بالبحوث الأخلاقية والشاملة. وتواصل المنظمة تعزيز قابلية التشغيل البيني وتبادل البيانات وتوجيه الدول نحو اعتماد التقنيات الرقمية في الصحة.

سلامة الطب التقليدي وجودته

تؤكد الاستراتيجية العالمية للطب التقليدي 2025-2034 وضع قاعدة أدلة قوية بشأن سلامة وجودة وفعالية ممارسات الطب التقليدي تمهيداً لدمجها في النظم الصحية بشكل آمن وفعال. وتجمّع القمة العالمية الثانية للطب التقليدي بين الحكمة القديمة وأحدث الأدلة والابتكارات لتقديم حلول صحية أكثر أماناً واستدامة.

التعلم مدى الحياة في الصحة

في عامها التشغيلي الأول، وفّرت أكاديمية منظمة الصحة العالمية أكثر من 250 دورة تدريبية على منصتها الإلكترونية بعدة لغات، منها دورة الحقوق والجودة في الصحة النفسية المتاحة بـ 17 لغة. كما شملت الجهود تدريب خبراء من 16 دولة ناطقة بالفرنسية على التخطيط الوطني للصحة الرقمية وإطلاق دورة القيادة العالمية في الرعاية الصحية الأولية بمشاركة متدرّبين من 77 دولة. وتؤكد معايير الجودة في الأكاديمية التزام البرامج بقيم المنظمة وبنهجها المبني على الأدلة، مع تعزيز المساواة والشمولية وسهولة الوصول. وفي أكتوبر أُعيد تفعيل شبكة التعلم الصحي المفتوحة لمنطقة المحيط الهادئ لتكون مساحة تعليمية على منصة الأكاديمية.

الخاتمة والتطلع إلى 2026

مع الدخول في إطار برنامج العمل الرابع عشر لمنظمة الصحة العالمية عام 2026، تظل المنظمة متمسكة بالرؤية المنشورة عام 1948 بأن أعلى مستوى من الصحة حق للجميع، وأن التضامن العلمي والابتكارات يجب أن تقود إلى مستقبل أكثر صحة وأماناً وأملاً للجميع. وتؤكد المنظمة أن التعاون الدولي المستمر والتخطيط المستدام يحددان طريقة التحضير والاستجابة لأي جائحة مستقبلية، مع تعزيز وصول عادل إلى اللقاحات والأدوية والتقنيات الصحية الحديثة.

شاركها.
اترك تعليقاً