كشفت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير موسّع أن سقوط النظام لم يُنه شبكات النفوذ التي بنّاها كبار قادته، بل دفَع بعضهم لإعادة ترتيب صفوفهم خارج سوريا. اعتمد التحقيق على رسائل نصية ومكالمات مخترقة ومقابلات وتحليل معمّق، وتبيّن تداخلاً بين الطموح العسكري والتمويل والضغط السياسي الخارجي. تركّزت الشبكة حول شخصيتين عسكريتين بارزتين يخضعان لعقوبات دولية هما سهيل الحسن وكمال الحسن. ويؤكّد التحقيق أن الهدف المشترك هو استعادة النفوذ داخل سوريا بعد 13 عامًا من الحرب.

هيكل الشبكة وخريطة النفوذ

تشير الرسائل المسربة من هاتف سهيل الحسن إلى بداية تشكيل هيكل عسكري سري في الساحل السوري، مع توثيق أعداد كبيرة من المقاتلين العلويين. وتبيّن أن الحسن تلقّى دعماً مالياً مباشراً من رامي مخلوف، المقيم في موسكو، وهو يسعى إلى لعب دور قيادي داخل الطائفة. يرى المحللون أن المخلوف يموّل الرواتب التي تتراوح بين 200 و1000 دولار للمقاتلين، ليكوّن بذلك نواة لـ«جيش ظل» ينتظر لحظة التحدي للحكومة. وتؤكّد البيانات أن الحسن يربط مصيره بمخلوف ضمن إشارات تُوصف بأنها صلة قرابة بين القوة والمال.

أدوار الشخصيات وتفرّعها السياسي

ويرتكز المسار الثاني على كمال الحسن، الذي يقود محوراً سياسياً خارجياً يعمل من بيروت تحت ستار العمل الإنساني في كيان يعرف بمؤسسة تنمية غرب سوريا. سعت المؤسسة إلى توقيع عقد في واشنطن مع شركات ضغط بقيمة تقارب مليون دولار، للترويج لفكرة حماية دولية لمناطق يقطنها علويون. وتكشف الإفصاحات الأمريكية أن المؤسسة تعاقدت مع شركة تايغر هيل بارتنرز وجورج شميتز المستشار السابق للرئيس الأمريكي، وهو ما يثير قلقاً من مساعٍ لإقامة كيان شبه ذاتي داخل سوريا. وتظهر الوثائق أن غياث دلة، قائد الفرقة الرابعة سابقاً، أدار عمليات لوجستية من لبنان وتنسيق تهريب أسلحة مع ميليشيات عراقية مرتبطة بإيران.

دور إيران والجهود الدولية

وتكشف الوثائق أن دلة أعطى توجيهات بتوزيع رواتب شهرية تصل إلى 300 ألف دولار لمقاتلين وقادة ميدانيين، وطلب شراء معدات اتصالات فضائية تتجاوز قيمتها 136 ألف دولار. كما أقر دلة بتنسيق محاولات تهريب أسلحة، بما يشمل طائرات مسيّرة وصواريخ مضادة للدبابات، بالتعاون مع ميليشيات عراقية مرتبطة بإيران. وتشير الوثائق إلى أن إيران وفّرت ملاذات آمنة لطيارين سابقين باتهامات بارتكاب جرائم حرب، من بينهم من شارك في هجوم خان شيخون الكيميائي عام 2017. ورغم اتساع هذه التحركات، تشدد المصادر على وجود عقبات حقيقية مثل الانقسام داخل المجتمع العلوي ونقص الموارد، إضافة إلى رقابة دولية وإقليمية مشدّدة.

ويختتم التقرير بنقل تحذير من بسام بربندي، الدبلوماسي السوري المنشق، بأن فشل الحكومة خلال عامين أو ثلاثة قد يدفع قوى دولية مثل الولايات المتحدة إلى البحث عن بدائل أخرى للتعامل معها. ويشير التحذير إلى أن المساعي المرتبطة بمناطق علويين قد تخلق واقعاً جديداً من التنافس الدولي على النفوذ في سوريا. وتؤكد النتائج أن أي ضعف حكومي قد يعزز التدخلات الخارجية ويعيد تشكيل المشهد السياسي في البلاد.

شاركها.
اترك تعليقاً