تعلن وزارة الأوقاف أن موضوع خطبة الجمعة اليوم يركّز على مظاهر عناية الإسلام بالطفولة؛ وهو يوضح كيف شكل الدين حضارةً تبدأ من المهد وتبنِي الإنسان قبل أن يقف على قدميه في ثلاث قضايا كبيرة. يستعرض النص العناية قبل الولادة ثم العناية بعد الولادة، ثم الحماية من الضياع والانتهاك، ويتبعه بخطبةٍ ثانية تحذر من آفة حديثة هي الألعاب الإلكترونية حين تصيرُ إدمانًا وخرابًا. كما يؤكد المحتوى أن الإسلام يجعل الرحمة والرفق ركيزتين أساسيتين في تربية الأطفال وتنشئتهم.
عناية الإسلام بالطفولة قبل الولادة
يرى الإسلام أن تبدأ العناية بالطفل قبل الولادة من بناء البيت الذي سيولد فيه. ينشأ الطفل في مناخ يلتزم بالدين ويضمن الأمن والاستقامة. يراعى اختيار الرفقة والزوجة وفق الدين والخلق، فالتربية في البيت تُبنى على قيمٍ راسخة. وتحمّل هذه القاعدة الأسرة مسؤولية كبيرة، فالأب راعٍ والأم راعيةٌ، والجميع محاسب أمام الله عن رعيتهم.
يؤكد الإسلام صيانة حق الحياة منذ البداية، فالجنين ضعيف في موقفه وهو جزء من المجتمع وكرامته محفوظة. لا يفصل الدين بين قويّ وضعيفٍ في أصل الكرامة الإنسانية، فالحفظُ للروح من أبرز ما تُؤدّيه الشريعة. كما يندمج هذا المعنى مع الالتزامات المعيشية، فلا يحرم الطفل من النفقة اللازمة ولا تُترك رغباته بلا رعاية. فتُبنى الأسرة على أساس أمانٍ وكرامةٍ تجمع بين الرحمة والمسؤولية.
عناية الإسلام بالطفولة بعد الولادة
يحتضن الإسلامُ الطفلَ بعد الولادة بمنهج الرحمة والتربية التي تراعي كرامته وتُعلي من شأنه. يرد الحديث الصحيح بأن من لا يرحم لا يُرحَم، فهذه الرحمة ركنٌ أصيلٌ في التربية وأساسٌ للخلق والتوازن. يربط الإسلام الانتماء إلى منهجه بتربيةٍ تحترم الطفل وتوقر الكبير، فلا قسوة تقطع الروابط ولا إهمال يحطم الشخصية. وتجسّد هذه العناية عمليًا حين كان النبي يحمل أمامة بنت رسول الله في الصلاة ويُفكّها عند السجود ليظهر أن الطفل جزء من العبادة والحياة اليومية.
تُبرز التربية الصحيحة الاعتراف بمشاعر الطفل وعدم السخرية منها، وتربية الأدب باللين والقدوة الحسنة. يروي النبي أن التهذيب والرحمة جزءٌ أساسي من التربية الصحيحة وأن الحرمان من الرحمة يضِر بالنشأ. وتُبيّن السنة أن الانتماء إلى النهج النبوي يتطلب حضور الأب في تربية الأبناء وتدبير أساليب التعليم دون إذلال. فهذه المواقف تمثّل نموذجًا عمليًا يوازن بين الحنان والانضباط في بناء الشخصية المتكاملة.
الحماية من الضياع والانتهاك
تؤكّد العناية الإسلامية أن الحماية من الضياع والانتهاك شرطٌ لاستمرار البناء الأسري والمجتمعي، وأن الإهمال في هذا الجانب يفتح الباب أمام مفاسدٍ كثيرة. يرى الدين أن الطفل أمانةٌ وحقوقه في الحياة والكرامة مقدَّمةٌ، فالتضييع أو الإيذاء يعدّان جريمةً تُلحق الضرر بالأسرة وبالمجتمع. كما يحث الإسلام على الاعتناء بمشاعر الطفل وعدم السخرية منها، وتوفير بيئةٍ تربويةٍ داعمةٍ تحقق له العيشَ الكريم. ويؤكّد كذلك أن المجتمع شريك في الحماية عبر إيقاف المنكرات التي تُسهم في انحراف الأطفال وتفكك الأسرة.
تُبيّن مبادئ الحماية أن الأسرة والمدرسة والجهات الاجتماعية يجب أن تتعاون لخلق نموذجٍ رُقْيٍ في التربية، يحفظ للطفل حقوقه ويقيه من الأخطار. كما يحذر من كل اعتداءٍ جسديٍّ أو نفسيّ أو أخلاقي، ويؤكد أن الإهمال والتحريض على العنف والمحتوى الضار يدخل ضمن المحاذير الشرعية. وتُختتم هذه الرؤية بأن الحماية ليست خيارًا بل واجبٌ يشكلُ سورًا يحفظ المجتمع من تفتت أسره. فالإسلام يربط بين حماية الطفولة وبناء أجيالٍ آمنة وقادرة على العطاء والالتزام.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَة: حِمَايَةُ الأَطْفَالِ مِنَ الأَلْعَابِ الإِلِكْتُرُونِيَّةِ
يواجهُ اليوم بيتُ المسلم مخاطرَ شاشاتٍ وألعابًا إلكترونيةٍ قد تجرّه إلى الإدمان وتؤثر سلباً في سلوك الأبناء. يقر الإسلام أن الترويح مباح بضوابط، مع حفظ حق الجسد والعين، وأن التوسع في التسلية بلا ضوابط قد يضرّ بالصحة النفسية والأخلاقية. أما إذا تعدّت الألعابُ حدودها فتصيرُ ضررًا وتضعفُ الروابط وتشتت الانتباه عن الواجبات. وتُشدد الخطبة على أن الحماية تبدأ وقايةً لا عقابًا، وتستلزم وعيًا من الوالدين وتوجيهًا مستمرًا وتحديد أوقات الأجهزة واختيار المحتوى الملائم.
الأصل في الترويح بضوابط
يؤكد الإسلام أن الترويح مشروع بشرط أن يكون فيه فائدةٌ وراحةٌ مع تجنّب الضرر. ويُذكر أن للجسد والعين حقًا على الإنسان، فيجب ألا يفريط في صحتهما. كما يجب أن يظل الترويح وسيلةً للنشاط والتقوّي لا سببًا للضياع. وتُربط هذه القاعدة بالالتزام الديني والأخلاقي الذي يحفظ فطرة الإنسان ويقيه من الانزلاق إلى المفسدات.
متى تتحول اللعبة إلى خطر
تتحول الألعاب إلى خطر عندما تعطل الصلاة أو الواجبات، وتغرس العنف أو تستخفي بقيمة الدماء. وتؤدي إلى العزلة والتوتر والعدوانية، وتُنتج سلوكاً مُضللاً وقيمًا مخالفةً للدين. وتُبيّن القاعدة الفقهية أن الضرر يُزال، وما غلب ضرره منعه ووقفه. لذا فالمعيار الشرعي يحُث على حماية الأبناء من كل ما يفسد دينهم وأخلاقهم.
واجب الوالدين والوقاية
يجب على الوالدين اتخاذ الوقاية قبل وقوع المشكلة من خلال حضورٍ مستمر ومناقشةٍ مفتوحة لعالم الطفل الرقمي. وتُشير الآية الكريمة إلى وجوب تحويل الوقاية إلى سلوكٍ يومي يَمنعُ النار قبل اشتعالها. كما يجب أن يكون هناك توجيهٌ وتعليمٌ وتربيةٌ على الضبط الذاتي والتعقل. وتؤدي المشاركة الأبوية والرقابة التقنية والتدرّج في العلاج إلى تقليل مخاطر الإدمان والفساد.
إجراءاتٌ عمليةٌ
تحددُ إجراءاتٌ عمليةٌ كما يلي: وضع وقتٍ يومي ثابت للأجهزة لا يُكسَر إلا لحاجاتٍ، ومنعُ الأجهزة من غرف النوم، واختيار الألعاب وفق المحتوى والعمر، وتوفير بدائل واقعية كالمهارات الرياضية والقرآن والقراءة والتواصل الصالح. تشترك هذه الإجراءات في بناء نمط حياةٍ متوازنٍ يَحمي الأبناء من الانخراط في عوالمٍ مضلّلة. كما تساهم في تعزيز الحوار الأسري وضبط الاستخدام الرقمي بشكلٍ بنّاء. وتؤكد على أهمية المشاركة الفاعلة من الأسرة في متابعة ما يشاهده الأبناء وتوجيههم بحكمة.
التربية على العزيمة وضبط النفس
تُبرزُ التربيةُ على العزيمة وضبط النفس أهميةً تُبنى من خلال قول النبي صلى الله عليه وسلم بأن العلم بالتحلُّم والحلم والخير يُنال بالسعي والكفاح. ويؤكد ذلك أن التربية الصحيحة تطلب من الآباء أن يعلّموا أبناءهم السلوك القويم والتدرّج في التطور الشخصي دون قسوةٍ مفرطة. وتُشدد الخُطبة على أن التوازن بين الرحمة والانضباط هو الأساس في تربية جيلٍ يملك إرادة قوية ويبتعد عن الشطط. وتُختتم هذه العناصر بتوجيهٍ عمليٍ يحفز الأبناء على الاستقامة والدعاء إلى الله والتوفيق في الحياة.
اللهمَّ احفظ بلادنا، اللهمَّ أصلح أبناءنا وبناتنا، واحفظ عقولهم وقُلوبهم، واجعلهم قرّة عينٍ لنا، ولا تجعلهم فتنةً علينا، واهدهم سواءَ السبيل.


