توضح تقارير الاتحاد العالمي لاتحادات التأمين أن فجوة الحماية التأمينية لم تعد مرتبطة بضعف الطلب فحسب، بل بملاءمة الحلول المقدمة لواقع المجتمعات المختلفة. وتؤكد أن الدول التي نجحت في تقليص هذه الفجوة اعتمدت على حلول مرنة لا تتبع نموذجاً واحداً، بل صممت وفق طبيعة المخاطر ومستوى الدخل والثقافة. وتشير النتائج إلى أهمية تكييف السياسات والخدمات مع السياق المحلي. كما تلفت إلى أن التجارب العالمية تقدم إطاراً يمكن الاستفادة منه دون استنساخ آلي.
تجربة اليونان في رفع الوعي التأميني
أظهرت تجربة اليونان أن تحويل الوعي التأميني من رسائل إعلامية عامة إلى مسار تعليمي مستدام يتم عبر منصات رقمية تشرح التأمين بلغة بسيطة وتتبنى برامج مدرسية تعريف الأطفال بمفاهيم المخاطر منذ سن مبكرة. ويمكن لمصر تطبيق ذلك عبر تطوير منصات تعليمية دائمة تحت مظلة اتحاد شركات التأمين المصرية وربطها بالمناهج والأنشطة التعليمية، بما يحول الوعي من رد فعل مؤقت إلى ثقافة مجتمعية مستدامة. وتُسهم هذه المقاربة في تعزيز الثقة والفهم لدى الجمهور.
النموذج البرازيلي وتطبيقات الوصول إلى الفئات غير المشمولة
أما في مجال الوصول إلى الفئات غير المشمولة فإن نموذج MAPFRE na Favela في البرازيل اعتمد النزول إلى المجتمعات منخفضة الدخل وتصميم منتجات بسيطة تلبي احتياجات حقيقية مثل تأمين استمرارية المشروعات الصغيرة وتغطية النفقات الأساسية. يمكن لمصر الاستفادة من هذه التجربة عبر تعزيز التعاون مع البريد المصري والجمعيات الأهلية ومبادرات التمويل متناهي الصغر، ليس كقنوات بيع فحسب بل كنقاط تواصل تقدم وثائق مبسطة مرتبطة بالحياة اليومية للأسر والمشروعات. وبهذه الطريقة تتحول التوعية إلى إجراء عملي يلمس حياة المواطنين.
كينيا وزامبيا: تكلفة التأمين والتأمين البارامتري
توضح التجارب الأفريقية خصوصاً في كينيا وزامبيا كيفية جعل التأمين في متناول الفئات محدودة الدخل دون المساس باستدامة الشركات، عبر ربط التأمين الزراعي بمدخلات الإنتاج واعتماد التأمين البارامتري القائم على مؤشرات الطقس بما يضمن سرعة التعويض وتقليل التكاليف الإدارية. يمكن تطبيق هذه التجربة في مصر عبر تطوير وثائق مرتبطة بالمحاصيل والمناخ وتُصرف تعويضاتها تلقائياً عند تحقق مؤشرات محددة، وهو ما يعزز ثقة المزارعين ويشجعهم على الانضمام إلى المنظومة التأمينية. كما تساهم في خفض تكاليف التشغيل وتوزيع المخاطر بشكل عادل.
تجربة اليابان في التأمين ضد الزلازل
عند التعامل مع المخاطر الكبرى، تبرز تجربة اليابان في التأمين ضد الزلازل كنموذج واضح للشراكة بين الدولة والقطاع الخاص، فقد ساهم تقاسم المخاطر بين الحكومة وشركات التأمين في ضمان التغطية حتى في الكوارث واسعة النطاق. يمكن لمصر البناء على هذا النموذج من خلال تطوير آليات وطنية لتقاسم مخاطر الكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية، بما يحافظ على استقرار السوق ويضمن حماية الأفراد والاقتصاد في آن واحد. وتعزز هذه الآلية مرونة القطاع التأميني وقدرته على مواجهة صدمات كبيرة دون تراجع الثقة.
سد فجوة الحماية التأمينية في مصر
تؤكد التجارب المذكورة أن سد فجوة الحماية التأمينية في مصر لا يستلزم نسخ نماذج خارجية، بل تكييفها مع الواقع المحلي. تمتلك مصر بنية تنظيمية ودعماً مؤسسياً واضحاً، والمرحلة المقبلة تركز على تعميق الابتكار والالتقاء أكثر مع احتياجات الناس وتحويل التأمين من خدمة نخبوية إلى أداة حماية يومية. ويشكّل تقرير الاتحاد العالمي لاتحادات التأمين دليلاً على أن الاستفادة من تجارب اليونان والبرازيل وأفريقيا واليابان تشكّل فرصة حقيقية لتحويل الفجوة إلى مسار للنمو المستدام ودعامة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.


