تشهد كوبا حاليًا حالة طوارئ صحية غير مسبوقة نتيجة تفشي وباء غامض تعرفه السكان باسم “الفيروس الكبير”. ينتشر بسرعة في بلد يواجه نقص الدواء والغذاء والطاقة. تقف المستشفيات عند حافة الانهيار ويبحث الناس عن العلاج في المنازل باستخدام الأعشاب أو في السوق السوداء. هذه التطورات تثير قلق السكان وتدفعهم إلى البحث عن حلول بديلة في مواجهة المرض.
طبيعة المرض وأعراضه
أشارت تقارير إلى أن ما يُعرف بالفيروس الكبير ليس فيروسًا واحدًا بل مزيجًا من حمى الضنك والشيكونغونيا وفيروس أوروبوش الذي ينقله البعوض عادة في البيئات المدارية. وتفيد البيانات الرسمية بأن عدد الإصابات المؤكدة بحمى الشيكونغونيا تجاوز 38 ألفًا، بينما سجلت السلطات ما لا يقل عن 55 وفاة، بينها 21 طفلًا، مع ترجيحات بأن الأرقام الحقيقية أعلى من الأرقام المعلنة. وتبدأ الأعراض فجأة بحمى عالية تتجاوز 39 درجة، مع آلام مبرحة في المفاصل، طفح جلدي، قيء وإسهال، تليها مراحل من التيبّس وصعوبة الحركة. ويصف الأطباء حالة المصابين بأنها تشبه شللًا مؤقتًا في بعض العضلات ويترك المتعافون آثارًا مثل إرهاق مزمن وفقدان التوازن لعدة أشهر.
أسباب وظروف الانتشار
يعزو خبراء الأوبئة السبب الرئيس إلى تزايد أعداد البعوض نتيجة الأمطار الغزيرة وتراكم القمامة بسبب انقطاع الكهرباء ونقص الوقود اللازم لعمليات الرش. كما أن ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة يوفر بيئة مثالية لتكاثر الحشرات في المناطق الحضرية والريفية معًا. وتؤكد الدكتورة جيانيلا كروز أفيلا من المركز الإقليمي للنظافة أن الخلل الأكبر يقع في الوقاية، وتقول إن القضاء على البعوض البالغ وحده لا يكفي بل يجب تدمير البيض واليرقات والعذارى أيضًا.
العلاج والتغذية
لا يتوفر في الوقت الراهن علاج محدد للفيروس الكبير، لذا يعتمد العلاج على تخفيف الأعراض والراحة وشرب كميات كبيرة من الماء وتناول خافضات الحرارة الخفيفة مثل الباراسيتامول. كما تُحذر الإرشادات من استخدام الأدوية المضادة للالتهاب القوية مثل الإيبوبروفين لأنها قد تزيد من مخاطر النزيف في حالات حُمّى الضنك. وتؤكد النشرات الطبية أن التغذية الضعيفة تفاقم الأزمة، فاعتلال الحمية يستهلك مخزون الحديد والبروتينات في الجسم، وتوصي أطعمة مثل البيض والزبادي والأسماك والمكسرات والخضروات الورقية، رغم أن هذه الأطعمة شبه غائبة في المتاجر.
أزمة النظام الصحي والتشخيص
تشير تقارير المستشفيات إلى أن قدرات البلد على التشخيص محدودة، فغالبًا ما يسجل الطبيب التشخيص كحمّى غير محددة لأنه لا تتوفر فحوص كافية لتحديد نوع الفيروس. وتفيد مصادر من معهد أمراض الدم والمناعة بأن العديد من العينات تُتلف لغياب الكواشف اللازمة للتحليل، ما يؤدي إلى نتائج سلبية كاذبة. وتبقى العلاجات المتاحة عادة مسكنات وخلال حالات الجفاف، وتذكر إحدى الممرضات في ماتانزاس أنها ترسل المرضى إلى منازلهم وتكتفي بإراحة الشخص لأن الدواء غير متوفر بكثرة، وتلجأ الأسر إلى الطب الشعبي كخيار إضافي.
الواقع الصحي والعمالة
تشير بيانات محلية إلى أن نحو 70 ألف عامل صحي غادروا وظائفهم خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بمن فيهم أكثر من 30 ألف طبيب. وتزدحم المستشفيات أحيانًا وتغلق عيادات كاملة بسبب إصابة الطواقم بالفيروس، وتقر وزارة الصحة بأن نقص الأدوية يتجاوز 70% من الاحتياجات، ما يجعل السوق السوداء المصدر الوحيد للأدوية. وتبرز الصور من المدن الكبرى حالة من الضغط الشديد على النظام الصحي وسط غياب كافٍ للقدرات البشرية والمادية لمواجهة التفشي.
شهادات السكان
يصف هانسل، مهندس من هافانا، كيف بدأ الألم في ركبته ثم امتد خلال يومين حتى لم يستطع الوقوف، فشعر بأن جسده صار كالحُجر. وتروي سيلفيا من بينار ديل ريو كيف سقطت والدتها فجأة بسبب الحمى واضطرتا للبقاء في المنزل دون تشخيص بسبب نقص الأدوية في المستشفى القريب. وتؤكد سيدة من حي بالعاصمة وجود حالات مماثلة لدى الأطفال وكبار السن، وتصف أنها وأسرتها يعانون من الألم ويبحثون عن الراحة دون تشخيص واضح.
موقف الحكومة والمنظمات الدولية
تؤكد الحكومة أن الوضع موسمي ومألوف ضمن مناخ البلاد وترفض وصفه بأنه وباء، حيث أعلن وزير الصحة أن المسألة تخص أمراض موسمية مألوفة. وفي المقابل صرحت منظمة الصحة للبلدان الأمريكية بأن انتشار الفيروسات المنقولة بالمفاصل في كوبا هو الأوسع منذ عقدين، محذّرة من أن أي تأخير في مكافحة البعوض سيؤدي إلى توسيع نطاق المرض في منطقة البحر الكاريبي. كما أضافت المنظمة أن الاستمرار في نقص الوقاية سيزيد من تفشي الأمراض المرتبطة بالحشرات في جزر الكاريبي خلال الأشهر القادمة»،


