تشير نتائج جديدة إلى أن الطاقة المظلمة ليست ثابتة، بل قد تتغير مع مرور الزمن، وهو ما يشكك في فهمنا للزمان والمكان.

وقد أشار تحليل فريق من كوريا الجنوبية إلى أن الكون قد لا يستمر في التوسع فحسب، بل قد تنجذب المجرات نحو بعضها البعض بفعل الجاذبية، مما قد يقود إلى ما يصفه العلماء بـ الانسحاق الشديد.

ويعتقد العلماء أنهم قد يكونون على أعتاب واحد من أكبر الاكتشافات الفلكية منذ جيل كامل. ورغم أن علماء فلك آخرين شككوا في هذه النتائج، إلا أن هؤلاء النقاد لم يتمكنوا من دحض الادعاءات الكورية بشكل كامل.

ما هي الطاقة المظلمة؟

كان العلماء يعتقدون أن توسع الكون سيتباطأ تدريجيًا بفعل الجاذبية، لكن في عام 1998 ظهرت أدلة على وجود الطاقة المظلمة كقوة تسرع التوسع، وأظهرت دراسات المستعرات العظمى أن المجرات البعيدة تتزايد ابتعادها عن بعضها أكثر من المتوقع.

اقترحت نظريات أن هذا الكون المتسارع قد يؤدي في البداية إلى طمس الضوء في السماء ليلاً، ثم قد يؤدي في نهاية المطاف إلى تمزيق العناصر نفسها كما في مفهوم “المزق العظيم” (Big Rip).

بدأ الجدل في مارس الماضي مع نتائج أداة Desi، أداة طيف الطاقة المظلمة المصممة في صحراء أريزونا، التي تتبعت تسارع ملايين المجرات بتفاصيل دقيقة، لكن النتائج لم تكن متوقعة.

ووفقًا للبروفيسور عوفر لاهف من جامعة كوليدج لندن، المشارك في مشروع Desi، أشارت البيانات إلى أن تسارع المجرات قد يتغير مع مرور الزمن، وهو أمر لا يتفق مع النموذج القياسي للكون. ويقول: “الآن، مع تغير الطاقة المظلمة صعودًا وهبوطًا، نحتاج إلى آلية جديدة. قد يمثل هذا هزة لعلم الفيزياء بأكمله”.

في نوفمبر، نشرت الجمعية الفلكية الملكية بحثًا لفريق كوري جنوبي يبدو أنه يدعم فكرة أن غرابة الطاقة المظلمة تتعقد. عاد البروفيسور يونغ ووك لي من جامعة يونسي في سيول وفريقه إلى بيانات المستعرات العظمى التي كشفت لأول مرة عن الطاقة المظلمة قبل 27 عامًا، وبدلاً من اعتبار المستعرات معيارًا ثابتًا للسطوع، عدلوا الحسابات بناءً على أعمار المجرات التي نشأت منها، وحسبوا السطوع الحقيقي للمستعرات.

أظهر هذا التعديل أن الطاقة المظلمة قد تغيرت بمرور الوقت، وأن التسارع آخذ في التباطؤ.

وأكد البروفيسور لي أن المصير قد يتغير إذا لم تكن الطاقة المظلمة ثابتة، لأن القوة الدافعة للمجرات بعيدًا عن بعضها قد تضعف بما يسمح للجاذبية بسحب المجرات نحو بعضها مرة أخرى، فصار الاحتمال الأقوى ليس الانفجار النهائي فحسب بل احتمال الانسحاب الشديد.

تمت مراجعة العمل من قبل خبراء ونُشر في مجلة علمية مرموقة، لكن ادعاءاته لم تلق قبولاً لدى العديد من كبار الفلكيين، مثل البروفيسور جورج إفستاثيو من جامعة كامبريدج، الذي يرى أن النتائج قد تعكس تفاصيل فوضوية مرتبطة بالمستعرات العظمى، وأن تطبيق التصحيحات بناءً على العمر قد يكون غير دقيق.

ومع ذلك، دافع البروفيسور لي عن بحثه قائلاً: “بياناتنا تعتمد على 300 مجرة، والاحتمالية الإحصائية بأن تكون هذه النتائج محض صدفة هي واحد في التريليون. لذا، أشعر بقوة أن بحثنا مهم للغاية”.

منذ صدور النتائج الكورية، أعاد فريقان تقييم سطوع المستعرات العظمى للتأكد من النتائج نظراً لحساسية القياس، ورغم تراجع الفريقين قليلاً عن التلميحات الأصلية، إلا أن الشكوك حول تغير الطاقة المظلمة لا تزال قائمة ولم تختفِ حتى بعد الفحص الدقيق.

وبناءً على ذلك، سيستمر النقاش المحتدم حول ما إذا كان الكون يهمس بطبيعته الحقيقية، أم أن علماء الفلك يطاردون “أشباحاً سماوية”. ويختتم البروفيسور روبرت ماسى، نائب مدير الجمعية الفلكية الملكية، بقوله: “من لا يريد أن يفهم كيف سينتهي الكون وكيف بدأ؟ لقد كان البشر دائماً مهتمين بذلك، سواء من منظور ديني أو علمي. القدرة على التفكير في كيفية انتهاء كل شيء بعد مليارات السنين هي أمر غير عادي حقاً”.

شاركها.
اترك تعليقاً