يشرح الدكتور محمد فوزي، أستاذ الطب النفسي في جامعة أسيوط، أن الوسواس القهري اضطراب نفسي يتميز بأفكار وصور متكررة تسبب قلقًا شديدًا. يلجأ المصاب إلى أفعال أو طقوس متكررة لتخفيف القلق بشكل مؤقت، لكنها تعيد دورة القلق وتستهلك وقتًا وتؤثر في الأداء والعلاقات. يؤكد أن ظهور هذه الأعراض لا يعكس قيم الشخص الأخلاقية بل هو حالة طبية تستدعي التقييم والعلاج.
أعراض الوسواس القهري
تتمثل الأعراض في عدة محاور رئيسية، منها مخاوف التلوث والعدوى وخوف مبالغ فيه من الجراثيم، مع شك دائم وتأكيد مستمر مثل سؤال “قفلت الباب؟ هل أطفأتُ النار؟” وتترافق مع أفكار محرجة أو عدوانية ودينية لا تعكس قيم الشخص. كما يظهر ميل قوي للتماثل والترتيب والاحساس بالاكتمال عند إنجاز المهام حسب نمط محدد. وتبرز أعراض أخرى شائعة تشمل القلق من إيذاء الآخرين بشكل عرضي وارتفاع مستوى المسؤولية والذنب المبالغ فيه، مما يدفع إلى طقوس متكررة.
وتشمل الأعراض الإضافية الغسل والتعقيم المتكرر، ومراجعة أقفال وأجهزة الكهرباء والرسائل بشكل متكرر، إضافة إلى العد والترتيب والتكرار أو تصحيح الأشياء حتى تصل إلى شكلاً مقبولاً. وتظهر طقوسٌ ذهنية مثل الدعاء ومراجعة الأحداث كآليات تهدئة لتقليل القلق. يلاحظ أن هذه الأعراض قد تتدرج في شدتها وتتشابك مع ضيق الوقت والطاقات اليومية.
أسباب الوسواس القهري
تشير الدراسات إلى وجود استعداد وراثي ودوائر عصبية-كيميائية مرتبطة بتنظيم القلق واتخاذ القرار. كما تلعب العوامل النفسية مثل الحساسية الزائدة للشك وعدم تحمل عدم اليقين والمبالغة في المسؤولية والذنب دورًا مهمًا. وتؤثر الضغوط الحياتية في ظهور الأعراض أو تفاقمها، مع أنها ليست السبب الوحيد غالبًا.
التعامل في مكان العمل
يقدم أستاذ الطب النفسي طرقًا للتعامل مع مريض الوسواس القهري إذا كان زميلاً أو مديراً في العمل، حيث تُركز على القاعدة الذهبية التي ترى أن الهدف ليس إقناع المصاب بأن مخاوفه غير منطقية فحسب، بل مساعدته على تقليل الطقوس تدريجيًا وزيادة المرونة. وتتنوع الإجراءات بين وضع اتفاق واضح على المهام والمعايير، مثل تعريف الإنجاز واستخدام قوائم تحقق محددة، وتفعيل لغة تواصل مطمئنة دون المشاركة في الطقوس. كما يُحث على تقليل التطمينات المتكررة في بيئة العمل، والالتزام بإجابة واحدة ثم الاستمرار وفق الخطة. وتُقترح أيضًا تخصيص وقت محدد لطرح الأسئلة بدل المقاطعة المستمرة، مثل عشرة دقائق يوميًا كل يومين لمراجعة الأمور، ما يساعد في حماية الوقت وتقليل القلق.
يؤكد الطبيب أن علامات خطورة الحالة تستدعي تدخلًا متخصصًا، مثل وجود ضياع أكثر من ساعة يوميًا ضمن الوساوس والطقوس أو تأثير واضح على الأداء الوظيفي. كما أن وجود اكتئاب شديد ونوبات هلع أو إعاقة كبيرة للحضور والعمل والعلاقات يعد مؤشرًا قويًا للحاجة إلى تقييم وعلاج متخصص. ويشير إلى أن فقدان القدرة على مناقشة الأفكار والاعتقاد المطلق بها دون مبرر يعتبر علامة على ضعف البصيرة والمرونة.
العلاج وخطة العلاج
يُشير الدكتور فوزي إلى أن العلاج المعرفي السلوكي مع التعرض ومنع الاستجابة يشكل الخط الأول في التعامل مع الوسواس القهري، وهو يهدف إلى كسر دائرة القلق وتقليل الطقوس والطقوس القهرية تدريجيًا. وتُظهر الخطة العلاجية أن التعرض المستمر وتجنب الاستجابة يؤدي إلى تحسن ملحوظ مع مرور الوقت، وقد تكون الاستفادة أعظم من هذه الطريقة مقارنةً ببعض الأدوية في حالات معينة. كما يُستخدم في بعض الحالات أدوية مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية للمساعدة في رفع المزاج وتقليل القلق، ضمن إطار تقييم الطبيب وتوجيهه. وتُطرح أهمية الدمج بين العلاج النفسي والدعم الطبي للوضع المهني بشكل آمن، مع مراعاة خصوصية الحالة وتفاوت الاستجابة بين الأفراد.


