عندما يدخل طفلك إلى الغرفة ويجدك تجلسين مع الجارة، ويصدر تعليقًا مهينًا قائلًا: “اذهبي من هنا، أنا لا أحبك”، فمن الواضح أنكِ ستشعرين بالخجل الشديد من الموقف الذي وضعك فيه طفلك. قد لا تكونين قادرة على فهم ما حدث بالضبط وما الذي دفعه للتصرف بهذه الطريقة. وعندما طلبتِ منه الاعتذار، رفض بحزم وغادر الغرفة دون أن ينصت لكلامك.
لا يشير هذا الموقف بالضرورة إلى أن الأم لا تبذل جهودًا كبيرة في تربية أطفالها. فهناك عدة تفسيرات ومعانٍ تربوية لهذه السلوكيات التي سنتطرق إليها في هذا المقال. إذا كنتِ تعتقدين أن طفلك يتصرف بوقاحة أو يظهر تصرفات غير مهذبة، فإن هذا المقال سيكون مفيدًا لكِ.
لنبدأ بالاتفاق على نقطة مهمة في البداية: الأطفال هم بريئون وأبرياء من أي تصفية تسمية تشير إلى وقاحة أو قلة أدب. لكن ينبغي أن ندرك أنهم غالبًا لا يدركون آثار أفعالهم. فعندما يتجادل طفلك البالغ من العمر عامين معكِ وتقولين له “اخرس”، ويجيب بـ”اخرسي أنت”، فهذا لا يعني أنه يتحدث بوقاحة أو قلة أدب. إنه لا يدرك ببساطة أن الكلمات من هذا النوع ليست لطيفة، ولقد سمعك تستخدمين هذه الكلمة أيضًا. فكيف تتوقعين منه ألا يلفظها أو يوجهها لكِ أو لأفراد الأسرة الأخرى أو الجيران أو أصدقائه؟
لا يمكن للطفل أن يخترع كلمات نابية بنفسه. فهو يسمعها ويرى المواقف التي يتم استخدامها فيها ليتعلم متى يستخدمها. لن يقول طفلك لأخيه خلال مشادة كلامية “أنت أحمق” إذا لم يسمع أحد يقولها أمامه في موقف مماثل. لذلك، يجب على الآباء والمربين أن يدركوا أن الأطفال هم مرايا لأفعالهم وكلامهم. إذا أردتم رؤية أنفسكم فيهم، فلتنظروا إلى سلوكهم وكلامهم.
لماذا يتحدث طفلي بوقاحة؟
إذا أردتم معرفة الإجابة على سؤال “لماذا يتصرف طفلي بوقاحة؟”، يجب أن تدركوا أن طفلك ليس سوى مرآة تعكس أقوالكم وأقوال المحيطين به. فإذا كنتم تستخدمون كلمات نابية في حديثكم معه، سواء كنتم أنتم أو أي شخص آخر في الأسرة، مثل “أعطني منديلاً يا أحمق” أو “ضع أغراضك في غرفتك يا أحمق”، فمن الطبيعي جدًا أن يعتاد طفلك على سماع هذه الكلمات وأن تنتقل تلقائيًا إلى مخزونه اللغوي. وبالتأكيد، سيستخدمها في المواقف التي يواجهها في المنزل أو المدرسة أو الاجتماعات العائلية، وهذا يعد سببًا رئيسيًا لظهور سلوك الوقاحة.
من جهة أخرى، قد تكونين تبذلين جهدًا كبيرًا في تربية أطفالك بطريقة مثالية، ولكن طفلك قد سمع كلمة نابية في الشارع أو تعلمها من رفقائه في اللعب. وعندما يعود وهو فخور بالعبارة الجديدة التي حفظها، تلتقين به بلغم وكبت وتهديد بالعقاب إذا تكرر تلفظها دون أن تشرحي له الأسباب وراء هذا الرفض.
في هذه الحالات، يكون أمام طفلك خيارين: إما أن يتوقف عن التلفظ بها خوفًا منك ومن عقابك فقط، ولكنه سيقولها بالتأكيد عندما يكون بعيدًا عن نظرك، أو أن تصبح تلك الكلمات سلاحه لإثارة استفزازك وإزعاجك عندما لا تستجيبي لمطالبه. وهذا يعد سببًا آخر لظهور سلوك الوقاحة.
كيفية التعامل مع الطفل الذي يتحدث بوقاحة:
بعد أن توافقنا على أن التحدث بوقاحة هو سلوك سيء يظهره الطفل، وليس سلوكًا لطيفًا يظهره الطفل السيء، نقدم لكِ مجموعة من النصائح للتعامل مع الطفل الذي يتحدث بوقاحة، بهدف تعديل سلوكه وإعادته إلى النهج الصحيح. وفيما يلي بعض هذه النصائح:
1. كوني قدوة في سلوكك:
الأطفال يتعلمون من والديهم والأشخاص المحيطين بهم. إذا كنتِ تستخدمين كلمات نابية في تعاملك مع الآخرين، فتوقعي أن يتبنى طفلك هذا النمط اللغوي. إذا كنتِ تلقين الأشياء بعنف عندما تغضبين، فمن المتوقع أن يتصرف طفلك بنفس الطريقة. بالمقابل، إذا كنتِ تعتذرين عندما تخطئين أو تستخدمين عبارات لطيفة مثل “شكرًا” و”أحبك” و”وفقك الله”، فسيتبعه طفلك بها تلقائيًا في المواقف المناسبة. من الضروري أن تكوني قدوة إيجابية في تعاملك مع أطفالك وأن تتعلمي مهارات الذكاء العاطفي وأن تظهري لهم اللطف والاحترام، لأنهم يتعلمون من تصرفاتك.
2. كوني وفية بوعدك:
إذا كنتِ تسألين عن كيفية التعامل مع الطفل الذي يتحدث بوقاحة، يجب أن تدركي الأسباب التي تجعله يتصرف بهذه الطريقة. في كثير من الأحيان، يكون الأطفال لطفاء وحساسين، وعندما يتعرضون للخيبة من وعود لم يتم الوفاء بها، قد يتصرفون بشكل غير مهذب تمامًا كالبالغين. ومن أبرز الأسباب التي تثير غضب الأطفال هي عدم وفاء الآخرين بوعودهم. إذا وعدتِ طفلك بأنك ستحضرين له دمية مثلاً، ولكنك لم تفِ بالوعد، فمن الطبيعي جدًا أن يشعر بالغضب ويتصرف بطريقة سيئة بدلًا من سلوكه المعتاد اللطيف. من المهم جدًا أن تكوني وفية بوعودك لأطفالك لتعزيز الثقة بينكما وبناء علاقة متينة تعتمد على المصداقية.
لا يمكننا الجزم بأنه يمكن إصلاح تصرف الطفل الذي يتحدث بوقاحة في لحظة واحدة، ولكن يجب أن تكوني على ثقة بأنه يمكنك إعادة التوازن إلى العلاقة مع طفلك. بالتدريج وبصبر وحنكة، يمكنك تغيير سلوكه وتوجيهه نحو النهج الصحيح.
7. قم بإعطاء الطفل أدوارًا ومسؤوليات:
قد يساعد إعطاء الطفل أدوارًا ومسؤوليات في المنزل أو في المدرسة على تعزيز تصرفه وتعامله بشكل أفضل. عندما يشعر الطفل بأن لديه مهمة ودور مهم في الأسرة أو المجتمع، فإنه يمكن أن يكون أكثر احترامًا للآخرين وأكثر تحملًا للمسؤولية. يمكنكِ تعيين مهام صغيرة ومناسبة لعمره، مثل تجميع الألعاب بعد اللعب، أو ترتيب الملابس في الدولاب، أو مساعدتك في إعداد الوجبات. بالإضافة إلى ذلك، يمكنكِ تشجيعه على المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والمجتمعية مثل العمل التطوعي، حيث يمكنه تعلم قيم الاحترام والتعاون.
8. كونِي صبورة ومتفهمة:
التغيير يستغرق وقتًا وجهدًا. يجب أن تكوني صبورة ومتفهمة مع طفلك أثناء تعلمه وتغيير سلوكه. لا تتوقعي نتائج فورية، بل قدِّمي الدعم والتشجيع له في كل خطوة يقوم بها نحو التحسن. استخدمي الإيجابية في تعاملك معه وثنِّي على الجوانب الإيجابية لشخصيته وتصرفاته عندما يتصرف بطريقة لطيفة ومهذبة. على سبيل المثال، يمكنكِ أن تقولي له: “أحب كيف تستخدم الكلمات اللطيفة عندما تتحدث مع الأصدقاء” أو “أنا فخورة بك عندما تظهر التعاون مع أفراد العائلة“.
9. التحدث والاستماع بشكل فعال:
التواصل الفعّال مع طفلك أمر مهم لفهمه ومساعدته على تطوير مهارات التواصل اللبق. قم بالاستماع له بصورة فعالة واهتم بمشاعره واحتياجاته. قدِّم له الفرصة للتعبير عن مشاعره وأفكاره بطريقة مناسبة ومهذبة. كما يجب عليكِ أن تعرِّفه على أنه يمكنه الاحتجاج أو الطلب بشكل لطيف ومهذب بدلاً من استخدام الوقاحة.
10. احترام الحدود الشخصية:
عليكِ أن تعلمي طفلك أهمية احترام حدود الآخرين واحترام الخصوصية الشخصية. قدِّم له الشرح اللازم بأن هناك أوقات يجب أن يتوقف فيها عن طرح أسئلة شخصية أو التدخل في أمور لا تخصه. يمكنكِ أيضًا تعزيز التعاطف والتفهم لمشاعر الآخرين عن طريق شرح الآثار السلبية للتصرف بوقاحة وقلة الاحترام على الآخرين.
11. طبق التعليم بالمثل:
استخدم التعليم بالمثل لتوضيح للطفل النتائج السلبية للتصرف بوقاحة والآثار الإيجابية للتصرف بطرق مهذبة ولطيفة. يمكنكِ استخدام القصص أو الأمثلة الحقيقية للتعليم البناء والتربوي. من خلال توضيح النتائج والعواقب المحتملة للتصرفات المختلفة، سيكون لدى الطفل فهم أفضل للسلوك المناسب.
تذكري أن التعامل مع الطفل الذي يتحدث بوقاحة يتطلب صبرًا واستمرار
ية في التوجيه والتعليم. قد يستغرق وقتًا لترى تحسنًا ملموسًا في سلوك الطفل، ولكن بالاستمرار في التواصل وتقديم الدعم والحب، ستساهمين في تعزيز سلوكه الإيجابي وتطويره.