مررنا جميعًا بلحظات مخيفة وخطيرة في حياتنا، يتجاوزها البعض بسهولة ويصعب على آخرين التأقلم معها، وذلك يعتمد على مدى قوة التجربة ودرجة تأثيرها على النفس.
تترك هذه التجارب أثرًا عميقًا على ذاكرتنا، وقد تؤدي استجابة الدماغ المرتبطة بالمواقف المخيفة إلى مشاكل طويلة الأمد، إذ يُعاني حوالي 7 إلى 8 أشخاص من بين كل مئة من اضطراب ما بعد الصدمة، وفقًا للمركز الوطني لاضطراب ما بعد الصدمة. هذا الاضطراب يظهر عند بعض الأشخاص بعد تعرضهم لحدث مؤلم، ويؤثر على قدرتهم على التكيف والاستمرار في حياتهم اليومية.
لا يوجد فحص دم أو سؤال بسيط يمكن الاعتماد عليه لمعرفة من هو الأكثر عرضة للإصابة، لكن الباحثين يؤكدون وجود عوامل تزيد من خطر الإصابة وعوامل أخرى تحمي من ذلك، وهو أمر لم يُشرح بعد بشكل دقيق. يستدعي الأمر المزيد من الأبحاث لفهم أسباب ذلك بشكل كامل.
ممارسة التمارين الرياضية ودورها في التعامل مع الصدمات
تُثبت الدراسات أن ممارسة التمارين الرياضية لمدة 21 دقيقة يوميًا تساهم في دعم قدرتنا على التعافي من آثار الصدمات، إذ تساعد على تعديل التغيرات الدماغية المرتبطة بتلك التجارب. ليست التمارين حصرًا بهدف تحسين اللياقة فقط، بل تُعد أداة في إعادة برمجة المشاعر والأفكار وردود الأفعال، فهي تساعد على تقليل الشدة العاطفية المرتبطة بالذكريات المؤلمة.
حتى خطوة صغيرة، كمشي يومي بسيط، يمكن أن تسهم بشكل كبير في تعزيز الشفاء، حيث تزيد التمارين من تكوين الخلايا العصبية في منطقة الحُصين في الدماغ، وهي المنطقة المسؤولة عن الذاكرة والتعلم. هذه الزيادة تقلل من احتمالية استرجاع الذكريات المرتبطة بالصدمات بشكل مفرط أو مسبب للقلق، وتساعد على تقليل الأعراض المصاحبة لاضطراب ما بعد الصدمة كالتفكير السلبي وتقلب المزاج.
كيف تعمل التمارين على الدماغ
يُظهر البحث أن 21 دقيقة من التمارين الرياضية المنتظمة، مثل المشي السريع أو الركض أو ركوب الدراجات أو اليوجا، تساهم في زيادة تكوين الخلايا العصبية وإعادة توصيل الدوائر الدماغية في منطقة الحُصين. هذه العمليات تقلل من قوة الذكريات المرتبطة بالصدمات وتخفف من الأعراض المزمنة لاضطراب ما بعد الصدمة، مثل الذكريات المتطفلة والتفكير السلبي المزمن.
ويؤكد العلماء أن ممارسة التمارين بشكل منتظم لها أثر طويل الأمد، وليست مرتبطة بتمرن واحد فقط، بل ببناء عادة تكرارية تساعد على تحسين صحة الدماغ وتقليل تأثير الذكريات السلبية، وبالتالي تعزيز القدرة على التكيف والتعامل مع تجارب الصدمة بشكل أفضل على المدى الطويل.