يعتبر القلق الطبيعي شعورًا عاديًا يمر به كل شخص في مواقف معينة، مثل التوتر قبل أداء مهمة مهمة أو مواجهة موقف غير معتاد. إلا أن الأشخاص الذين يعانون من قلق مفرط ومستمر يجدون صعوبة في السيطرة عليه، حيث يتعارض مع حياتهم اليومية ويؤثر على أدائهم ونشاطاتهم. إذا استمرت حالات القلق وتكررت بشكل زائد، فقد يكون ذلك علامة على اضطراب القلق، وهو مرض نفسي شائع يصيب ملايين الأفراد حول العالم.
يضرب اضطراب القلق نوعًا خاصًا يُعرف بالقلق الوظيفي العالي، وهو أحد أشكال اضطراب القلق العام. يظهر الشخص هنا بمظهر طبيعي وهادئ من الخارج، لكنه يعاني داخليًا من توتر ومشاكل داخلية، إذ يبذل جهودًا كبيرة لمواجهة مخاوفه، ويخفي أعراض القلق بشكل ماهر. يصعب غالبًا اكتشافه، لأنه يظهر بشكل شخص يبدو بخير، لكنه يواجه صراعات داخلية قوية، ويظهر عليه بعض السلوكيات التي تدل على ضغط كبير.
لماذا نتجاهل الضغط الصامت للقلق الوظيفي العالي؟
غالبًا ما يُخفي الأشخاص الذين يعانون من هذا القلق صراعاتهم من خلال الإنجاز والإنتاجية، وحتى يتجنبوا الكشف عن معاناتهم، مما يصعب تشخيص مشكلتهم في الوقت المناسب. المجتمع يقدّر السلوكيات التي تظهر النجاح، مثل الكمال والعمل المستمر، لكن وراء هذه التصرفات تكمن داخل الشخص حالة من التوتر والقلق المستمر، وغالبًا ما تكون مصحوبة بالإرهاق والتعب النفسي. هذا الضغط الصامت يؤدي إلى أن يعاني الفرد من مشاكل نفسية وبدنية دون أن يدرك ذلك، وهو في الواقع يعاني من اضطراب نفسي يحتاج لعلاج وتفهّم.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الأشخاص الذين يعانون من القلق الوظيفي العالي يتعرضون لأفكار متكررة حول عدم كفاءتهم، ويشعرون دائمًا بأنهم غير مستحقين، وهذا يُعرف بمتلازمة المحتال. يتناقض هذا تمامًا مع أداءهم العالي وظاهرهم الهادئ، ويؤدي مع مرور الوقت إلى إرهاق نفسي وبدني، وتدهور العلاقات الاجتماعية، وابتعادهم عن احتياجاتهم العاطفية.
ما أسباب القلق الوظيفي العالي؟
تُسهم العديد من العوامل في ظهور هذا النوع من القلق، من بينها الضغط للمحافظة على صورة النجاح أمام الآخرين، والخوف من الأحكام السلبية، والمقارنة المستمرة مع أشخاص يبدون أكثر تميزًا أو تحديات واضحة. كما يراود هؤلاء الأشخاص أفكارًا لا تتوقف عن القلق ويصابون بأرق وجسد متعب. بالإضافة إلى ذلك، يعاني بعضهم من متلازمة المحتال، حيث يشعرون دائمًا بعدم الكفاءة ويخشون أن يُكشف أمرهم، مما يفاقم من شعورهم بالقلق والتوتر المستمر.
هذا الصراع المستمر يؤدي إلى حالة من التوتر المزمن، حيث يُحفز القلق الأداء العالي، لكن الإنجاز المُبالَغ فيه يُخفي بداخله توترات وقلق غير مرئي. مع الوقت، يتسبب هذا الضغط في إرهاق نفسي وبدني، وضعف التواصل في العلاقات الشخصية، وفقدان الترابط مع الاحتياجات العاطفية.
كيف تتغلب على القلق الوظيفي العالي؟
ينبغي على من يشعر بأنماط قلق مستمرة أن يبدأ بتحديد مصادر هذه الحالة ويعرف محفزاته الشخصية. فهل يشعر بعدم الاستقرار عندما يكون غير مشغول؟ هل يخشا ردود فعل الآخرين أو خيبة أملهم؟ فهم أسباب القلق هو الخطوة الأساسية لإدارته بفعالية. يساعد ذلك على فصل القيم الشخصية عن توقعات المجتمع، ويساعد الشخص على تحديد ما هو مهم حقًا بالنسبة له، وما الذي يمنحه الشعور بالرضا والاستقرار، بدلاً من التركيز على النجاح الظاهر فقط.
كما أن من المهم أن يكون الشخص لطيفًا مع نفسه، ويقبل أن الأخطاء أو طلب المساعدة أو حتى التباطؤ ليست دلالة على ضعف قدراته، بل هي جزء من إنسانيته. الدعم من أشخاص يقدرونه لما هو عليه وبما يملكه داخليًا يعزز من مقاومته للضغوط. إلى جانب ذلك، فإن الاهتمام بالتغذية الجيدة، والنوم الكافي، وممارسة الرياضة والتقنيات التنفسية مثل التنفس العميق، توفر دعمًا نفسيًا وبدنيًا. على الرغم من أن هذه النصائح تبدو بسيطة، فإنها تُنشئ أساسًا للمرونة النفسية وتساعد على تنظيم الجهاز العصبي، وهو أمر ضروري لمواجهة التحديات النفسية والقلق المستمر.