يواجه سوق العمل اليوم تقلبات كثيرة، مما ينعكس على استقرار الموظفين في الشركات المختلفة، ويقود البعض منهم لاتخاذ قرارات مهنية غير صحيحة خلال فترات معينة من حياتهم العملية. ومن هنا برز مصطلح “عدم اليقين الوظيفي”، الذي يناقشه الخبراء في المجال الإداري حالياً، ويشير إلى الحالة التي يشعر فيها الموظف بعدم وضوح مستقبله المهني الداخلي أو خارجيًا.
كيف يحدث عدم اليقين الوظيفي؟
يصف الباحث في علم النفس التنظيمي مانع بن ناصر آل حيدر أن عدم اليقين الوظيفي يظهر عندما يلاحظ المدير في شركة تقنية ناشئة أن أحد الموظفين المميزين أصبح أقل نشاطًا، ولا يتحدث كثيرًا ويعمل بصمت. عندما سأله المدير عن السبب، أجابه بأنه يحاول ألا يكون ملحوظًا أكثر من اللازم، وهذه الحالة تُعرف باسم Job Uncertainty، حيث لا يعرف الموظف إن كان مستقبله في المؤسسة مضمونًا أم لا. ورغم عدم وجود تهديد واضح، فإن غياب الرسائل والتواصل والخطط يولد شعورًا بعدم الأمان، ويبدأ الدماغ في ترجمة هذا الغموض كمصدر تهديد، مما يدفع الموظف لتقليل المخاطر، حماسه وثقته بنفسه، ويعد ذلك من أصعب التحديات التي يواجهها القائد في خلق بيئة مستقرة تخفف من تأثير هذا التوتر.
ما هي أسباب عدم اليقين الوظيفي ولماذا يحدث؟
تظهر حالة عدم اليقين الوظيفي عندما يفتقر الموظفون إلى المعرفة الواضحة حول مستقبل عملهم، وهو مرتبط بالتغييرات التي قد تكون داخلية، مثل التغييرات في الاستراتيجية، أو خارجية، مثل تقلبات السوق وعمليات الدمج والاستحواذ. يؤدي هذا إلى تزايد القلق والتوتر، ويهدد استقرار العاملين اقتصادياً ومهنياً، لذا تعتبر إدارة هذه المشاعر مهمة رئيسية للمديرين. إذ يجب توقع التغييرات وتأثيرها وتطوير استراتيجيات تضمن استقرار الموظفين نفسيًا ومهنيًا.
دور الموارد البشرية في إدارة عدم اليقين
تلعب إدارة الموارد البشرية دورًا أساسيًا في التعامل مع حالات عدم اليقين، حيث تعتمد على استشارات خبراء علم النفس التنظيمي لاستعمال الأدوات التي تساعد الفرق على التكيف مع التغييرات. تشمل القدرات التي تمتلكها قسم الموارد البشرية وضع خطط للخلافة لضمان استمرارية الأدوار، واعتماد نماذج توظيف مرنة، مثل العمل عن بعد أو التوظيف المؤقت، والاستثمار في برامج التطوير المهني والصحة النفسية، بهدف زيادة جاهزية المؤسسة لمواجهة التحديات المحتملة القادمة.
استراتيجيات فعالة لمواجهة عدم اليقين الوظيفي
يساعد مراقبة اتجاهات السوق وتوقع التغييرات المحتملة على إعداد استراتيجيات وقائية، ويجب تعزيز بيئة السلامة النفسية والحفاظ على التواصل المفتوح، بحيث يتمكن الموظفون من التعبير عن مخاوفهم بسهولة، مما يعزز من مستوى الثقة والانتماء. كما يفيد تنمية ثقافة القدرة على التكيف من خلال التدريب المستمر وتطوير المهارات، مع الاعتماد على الأدوات التكنولوجية التي تراقب أداء الموظفين وتقيس قدراتهم، مما يسهل اتخاذ القرارات المناسبة. كما ينصح بالحفاظ على احتياطي مالي قوي لضمان استمرارية المؤسسة خلال فترات التغييرات، ومرونة الهيكل التنظيمي التي تسمح بسرعة التكيف وإعادة التوجيه، فضلاً عن تعزيز التعاون بين الأقسام لتحقيق الأهداف بشكل موحد. ضرورة إجراء تقييمات دورية للتعلم من التجارب السابقة وتحسين الأداء، مع الحفاظ على نهج إيجابي يعزز من معنويات الموظفين، ويبني ثقافة عمل مرنة ومرحبّة بالتحديات.