يحدث أحيانًا فقدان غير مبرر في وزن الجسم بشكل سريع، وهو أمر لا يُعتبر دائمًا صحيًا، خاصة إذا لم تكن تتبع نظامًا غذائيًا أو تمارس رياضة. قد يكون دليلًا على وجود مشكلة صحية مخفية تستدعي الانتباه، إذ أن فقدان الوزن المفاجئ أو غير المبرر قد يكون إشعارًا بوجود خلل داخلي أو مرض خطير يؤثر على جسمك بشكل صامت قبل أن تظهر أعراض واضحة. من المهم أن لا تتجاهل هذا التغيير، لأنه قد يشير إلى حالات صحية تتطلب التشخيص المبكر، كالخلل الهرموني، أو الأمراض المزمنة، أو حتى السرطان أو اضطرابات الجهاز الهضمي.
لماذا يُعتبر فقدان الوزن غير المبرر مشكلة طبيّة؟
يعرف طبيًا بفقدان أكثر من 5% من وزن الجسم خلال 6 إلى 12 شهرًا دون محاولة منك، ويُعد علامة على وجود خلل جوهري في الجسم. حين يحدث ذلك، قد يكون الجسم غير قادر على امتصاص العناصر الغذائية بشكل صحيح، أو يعاني من مرض مزمن، أو خلل هرموني، أو مشكلة أخرى تؤدي إلى انخفاض غير متوقع في الوزن. إذ أن فقدان الوزن بشكل تدريجي ومخطط له هو أمر طبيعي وصحي، إلا أن فقدانه بشكل غير متوقع هو منطلق نداء للجسم للبحث عن المساعدة.
عندما يفقد الجسم وزنه بدون سبب واضح، قد يشير إلى معاناة من مقاومة مرض أو خلل هرموني، أو مشاكل أخرى مثل اضطرابات المناعة الذاتية أو أمراض خطيرة. في بعض الحالات، يكون الجسم يستهلك المخزون من العضلات والدهون لإنتاج طاقة لأنّه غير قادر على معالجة الجلوكوز بشكل سليم، وهو ما يظهر عادةً في مرض السكري عندما يقل إفراز الأنسولين أو تصبح خلايا الجسم مقاومة له. كما أن التراجع المفاجئ في الوزن قد يكون ناتجًا عن أمراض مزمنة أو عدوى مثل السل أو أمراض أخرى تصيب الجسم بصمت.
حالات صحية قد تسبب فقدان الوزن غير المبرر
يُعد اضطراب الغدة الدرقية من أكثر الأسباب شيوعًا، حيث تقوم الغدة بإفراز هرمونات زائدة تُسرع عملية الأيض، مما يؤدي إلى فقدان الوزن السريع وظهور أعراض مثل القلق والرعشة والأرق وزيادة الشهية وحركات الأمعاء المتكررة. قد يظن الكثيرون بدايةً أن الأمر طبيعي أو ناتج عن نمط حياة أكثر صحة، قبل أن تظهر عليهم أعراض التعب والمعاناة. في حالة الاشتباه، يُنصح بفحص وظائف الغدة الدرقية، ويُعالج الحالة بالأدوية أو اليود المشع أو الجراحة حسب الحاجة.
أما مرض السكري من النوع الأول والثاني عند تأخر التشخيص، فيمكن أن يؤدى إلى فقدان الوزن، حيث يحرق الجسم العضلات والدهون للحصول على الطاقة، نتيجة لخلل في معالجة الجلوكوز بسبب نقص الأنسولين أو مقاومته. تظهر أعراضه مع فقدان الوزن، وزيادة العطش، وكثرة التبول، والتعب الشديد، وعدم وضوح الرؤية، وفقدان العضلات. غالبًا ما يُخلط بين أعراضه وبين التعب العادي، لذلك يُنصح بإجراء فحص مستوى السكر في الدم للكشف المبكر.
كما أن اضطرابات الجهاز الهضمي مثل مرض كرون، والتهاب القولون التقرحي، ومتلازمة القولون العصبي، تؤثر على قدرة الأمعاء على امتصاص العناصر الغذائية، مما يؤدي إلى فقدان الوزن مع أعراض مثل الإسهال المزمن، والانتفاخ، وآلام البطن، ونقص العناصر الغذائية، والتعب، وهزال العضلات. عادةً يُعتقد أن هذه الأعراض ناتجة عن التوتر أو حساسية الطعام، لكن التشخيص الدقيق يتطلب مراجعة الطبيب المختص للفحوصات اللازمة.
وفي حالات العدوى المزمنة واضطرابات المناعة الذاتية، مثل فيروس نقص المناعة البشرية والسل والتهاب المفاصل الروماتويدي، يمكن أن تستهلك الجسم طاقاته بسرعة أو تؤثر على الشهية، مما يؤدي إلى فقدان الوزن. تظهر على المصابين أعراض مثل الحمى الخفيفة، والتعب، وألم المفاصل، وتغيرات جلدية، وتزيد صعوبة التشخيص مبكرًا لأنها قد تتشابه مع أعراض أمراض أخرى.
أما السرطان، خاصة سرطانات الجهاز الهضمي والبنكرياس والرئة، فتُعد من الأسباب الرئيسية لفقدان الوزن غير المبرر، وغالبًا تظهر أعراضه مبكرًا بشكل خفي، مع فقدان الشهية، والشعور بالشبع المبكر، والإرهاق المستمر، وتغيرات في وظيفة الجهاز الهضمي وتورم أو آلام. تشخيص الحالة مبكرًا يزيد من فرص العلاج، لذلك يُنصح بزيارة الطبيب فور ظهور أي أعراض غير معتادة.
كما أن اضطرابات الصحة النفسية مثل الاكتئاب والقلق والتوتر الحاد، تؤثر على الشهية ومستوى النشاط، مسببة فقدان الوزن وفقدان الاهتمام بالطعام وبقية الأنشطة اليومية. غالبًا يفشل البعض في ربط الحالة المزاجية بمظاهر الجسم، لذا ضرورة تقييم الحالة النفسية مهمة لمعرفة مدى تأثيرها على الصحة الجسدية.
متى تستوجب الحالة استشارة الطبيب؟
عندما تلاحظ فقدانًا في الوزن حوالي 5% أو أكثر خلال ستة أشهر دون محاولة منك لذلك، أو تفقد كتلة عضلاتك، أو تعاني من تعب مزمن، أو أعراض هضمية مستمرة، أو تغييرات واضحة في المزاج أو السلوك، فمن المهم استشارة الطبيب فورا. هذه العلامات تشير إلى ضرورة تقييم شامل للجسم للتأكد من عدم وجود مشكلة صحية خطيرة، حيث أن الكشف المبكر يساهم بشكل كبير في علاج الحالة بنجاح وحماية صحتك المستقبلية.