يعمل فريق من الباحثين في معهد العلوم الأساسية وجامعة إيهوا على تطوير علاج جديد لاضطراب ما بعد الصدمة، يهدف إلى الحد من الذكريات المؤلمة وإعادة التوازن إلى وظائف الدماغ. ويكشف البحث عن دور غير متوقع للخلايا النجمية، التي كانت تعرف سابقًا بأنها خلايا داعمة، في ترسيخ التجارب الصادمة من خلال إفراز كميات مفرطة من ناقل عصبي يسمى حمض جاما أمينوبوتيريك (GABA). هذه الكميات الزائدة من GABA، بدلاً من أن تكون مهدئة، تعطل دوائر الدماغ المسئولة عن نسيان الخوف والتعامل معه بشكل طبيعي. وتوضح الدراسة أن هذا الخلل يؤدي إلى صعوبة التقدم في علاج اضطراب PTSD، حيث تبقى الذكريات المؤلمة مثبتة في الدماغ بشكل قوي.
ثغرة في العلاجات الحالية
يشير الباحثون إلى أن الأدوية الحالية، مثل مثبطات استرداد السيروتونين، توفر فقط راحة جزئية وتحقق نتائج مرضية لدى نسبة قليلة من المرضى، ولفتوا إلى الحاجة لاستهداف آليات مختلفة لمعالجة المشكلة بشكل جذري. ركّز الفريق على القشرة الجبهية الأمامية الوسطى، وهي المنطقة الأساسية التي تتحكم في تنظيم الخوف، ووجد أن الأشخاص المصابين باضطراب PTSD يعانُون من ارتفاع مستوى GABA في هذه المنطقة، مع تدفق دم منخفض، مما يعيق قدرتهم على تجاوز الذكريات المؤلمة والتعافي بشكل كامل.
الدواء KDS2010.. استهداف مباشر للمصدر
تم تطوير عقار KDS2010 استنادًا إلى فهم آلية الخلل، وهو مثبط انتقائي وقابل للعكس لإنزيم MAOB المسؤول عن إنتاج GABA بكميات زائدة من الخلايا النجمية. وعلى نموذج فئران يعاني من أعراض مشابهة لاضطراب PTSD، أظهر الدواء قدرة على خفض مستويات GABA غير الطبيعي، واستعادة تدفق الدم في القشرة الجبهية، وإعادة تنشيط آليات نسيان الذكريات المؤلمة بشكل فعال. وقد أثبت هذا الدواء فعاليته بشكل واضح، مما يمثل خطوة مهمة نحو علاج جذر المشكلة بدلاً من التخفيف الأعراض فقط.
ميزات دوائية وأمان مرتفع
يتميز KDS2010 بقدرته العالية على اختراق حاجز الدماغ، ويظهر انتقائية كبيرة، مما يقلل من الآثار الجانبية التي قد تظهر مع أدوية مثبطات MAO التقليدية. وتبينت من خلال التجارب السريرية المبكرة على الإنسان قابليته للتحمل بشكل جيد دون رصد آثار جانبية خطيرة، حتى عند استخدام جرعات مرتفعة، ويدرس حاليًا في المرحلة الثانية من التجارب لعلاجات عصبية أخرى، مما يعزز توقعات اعتماده في علاج اضطراب PTSD مستقبلًا.
دمج العلاج الدوائي مع النفسي لتحقيق نتائج أفضل
يشير الباحثون إلى أن الجمع بين دواء KDS2010 والعلاج النفسي، خاصة جلسات التعرض، قد يؤدي إلى نتائج أكثر فعالية. إذ يعمل الدواء على إزالة التثبيط الزائد من دوائر إخماد الخوف في الدماغ، مما يحفز استجابة الدماغ للعلاج النفسي ويزيد من فرصة التقدم والتحسن في حالات PTSD.
آفاق مستقبلية
لا يقتصر أمل الباحثين على علاج PTSD فحسب، بل يعتقدون أن استهداف الخلايا النجمية قد يفتح الباب لعلاجات مبتكرة لأمراض أخرى مثل مرض باركنسون والزهايمر، حيث تلعب هذه الخلايا دورًا مهمًا في الخلل العصبي. وإذا أظهرت التجارب السريرية القادمة نجاحًا كبيرًا، قد يصبح دواء KDS2010 متاحًا للمرضى في غضون سنوات قليلة، ليقدم علاجًا جذريًا لاضطراب ما بعد الصدمة بدلًا من مجرد تخفيف أعراضه.