يعتبر الزبادي من الأطعمة المفيدة والصحية التي يتناولها الكثيرون خلال الإفطار، إلا أن العلماء استطاعوا الآن استخدامه في مجالات علمية حديثة لتسريع شفاء الأنسجة التالفة. ففي خطوة ثورية، طور فريق من الباحثين في كلية كولومبيا للهندسة جلًا مستمدًا من الزبادي يمكن أن يسهم بشكل فعال في تجديد الأنسجة واستعادتها بشكل أسرع.
يعتمد هذا الجل على الحويصلات خارج الخلية، وهي جسيمات صغيرة يُطلقها الحليب، تحتوي على مكونات بيولوجية مهمة مثل البروتينات والمواد الوراثية، وتعمل على تحسين وظيفة الخلايا وتحفيز عمليات الشفاء الطبيعي. يفتح هذا الاكتشاف آفاقًا جديدة لعلاج الأنسجة التالفة بطريقة أكثر تطورًا وفعالية، خاصة في مجالات الطب التجديدي.
توظيف الحويصلات خارج الخلية في علاج الأنسجة
تناولت الدراسة التي نشرت في مجلة “ماتر” أهمية استخدام الحويصلات خارج الخلية كعامل رئيسي في تكوين هلامات مائية نشطة بيولوجيًا يمكن حقنها. وتُعرف الحويصلات بأنها جزيئات صغيرة تطلقها الخلايا بشكل طبيعي، وتحتوي على عناصر حيوية تساعد على التواصل بين الخلايا وتدعيم عمليات الإصلاح والتجدد. تُعد هذه الحويصلات من الأدوات القوية في هندسة الأنسجة والعلاج التجديدي لقدرتها على إحداث تغييرات فاعلة في الجسم.
تحدى فريق الباحثين في كلية كولومبيا العقبات الكبيرة المرتبطة باستخدام الحويصلات خارج الخلية في صناعة المواد الحيوية، حيث كانت التحديات تكمن في محاكاة التفاعلات الطبيعية التي تحدث في الكائنات الحية. ونجح الفريق في استخراج الحويصلات من الزبادي، وهو منتج ثانوي متوفر بكثرة وأرخص من غيره، مما جعلها مصدرًا مستدامًا وفعالًا لإنتاج الهلاميات المائية التي يمكن استخدامها في تفعيل عمليات الشفاء.
الابتكار في إنتاج الجل وتعزيز قدراته
المفتاح في هذا الابتكار هو القدرة على تصنيع كميات كبيرة من الجل مع الحفاظ على النشاط الحيوي للحويصلات خارج الخلية. وأوضح الباحث الرئيسي، سانتياغو كوريا، أن هذه الحويصلات تتمتع بخصائص تجديدية فطرية، مما يفتح المجال أمام تطوير مواد علاجية جديدة وفعالة لعلاج الأنسجة التالفة بشكل أكبر، مع تقليل الحاجة إلى مواد كيميائية ضارة.
وظيفتان رئيسيتان للحويصلات في الجل
يعتمد تصميم العلماء على أن تعمل الحويصلات كناقلات فعالة للإشارات العلاجية، تنقل جزيئات مهمة تساعد على الإصلاح والتجديد. بالإضافة إلى ذلك، تساهم في دعم التكوين الهيكلي للهلام عبر ارتباطها ببوليمرات متوافقة حيويًا، مما ينتج مادة ناعمة تشبه الأنسجة الحية وتعمل على تعزيز عملية الشفاء بشكل طبيعي وفعال.
تمكن الباحثون من إنتاج تلك الهلاميات بكميات أكبر، مع إبقاء الحويصلات فعالة ونشيطة حيويًا، دون أن تتأثر خصائصها التجديدية. هذا التطور يفتح آفاقًا للاستخدام العملي والموسع لهذه المادة في علاج الأنسجة التالفة بشكل طبيعي وآمن.
تجارب واعدة على الحيوانات وأهمية النتائج
أظهرت التجارب المبكرة على الفئران أن الهلاميات المستمدة من الحويصلات الخارجية من الزبادي تمتاز بامتثال حيوي، وتُحفز تكوين أوعية دموية جديدة في الأنسجة التالفة خلال أسبوع، دون أن تثير ردود فعل سلبية. وأظهرت النتائج أن البيئة التي يوفرها الجل تعزز وجود خلايا مضادة للالتهابات، مما يدعم إصلاح الأنسجة بشكل أكثر فاعلية.
وفي حديثه، قال أرتميس مارغارونيس، الباحث في كلية كولومبيا، إن القدرة على تصميم مادة تحاكي البيئة الطبيعية للجسم وتسرع عملية الشفاء تفتح مجالات واسعة لابتكار علاجات تجديدية متعددة الاستخدامات، أكثر توافقًا مع آليات الجسم الطبيعية.
تشير نتائج هذه الدراسات إلى أن هذا النهج الثوري قد يكون أداة فعالة في علاج الأنسجة التالفة، خاصة لأنه يعتمد على مواد طبيعية وسهلة الإنتاج. رغم أن البحث لا يزال في مراحله الأولى، إلا أنه يبعث على التفاؤل نحو تطوير علاجات أكثر أمانًا وملاءمة لآليات الشفاء في الجسم، مع فتح باب أمام استراتيجيات جديدة مبنية على استخدام الحويصلات خارج الخلية المستخرجة من الزبادي.