تُعد الصناديق السوداء واحدة من أعظم الابتكارات التي تساعد في التحقيقات الجوية بعد وقوع الحوادث، على الرغم من أن لونها في الواقع ليس أسودًا بل برتقالي فاقع ليسهل العثور عليها بعد حوادث الطائرات.
تتكون الصناديق السوداء من جهازين رئيسيين: مسجل بيانات الرحلة، الذي يراقب كل تفاصيل أداء الطائرة، ومسجل صوت قمرة القيادة، الذي يخزن المحادثات والأصوات بين الطاقم خلال الرحلة، وتُستخدم لتقديم أدلة قيمة في حالات الحوادث الجوية. في بعض الكوارث، كشفت تسجيلات مسجل الصوت عن تفاصيل مروعة، وتوثيق لحظات ما قبل وقوع الكارثة، مما يمنح المحققين والناجين معلومات حاسمة عن الأسباب.
أبرز حوادث الطيران واستخدام الصناديق السوداء في التحقيقات
مخطئ في اختيار المدرج بمطار مكسيكو السيتي 1979
في صباح غائم من 31 أكتوبر 1979، كانت طائرة تابعة للخطوط الجوية الغربية تقترب من مطار مكسيكو سيتي، وبدلاً من الهبوط على المدرج الصحيح، هبطت على مدرج مغلق للصيانة. أظهر تسجيل قمرة القيادة لحظات من التردد والقلق، قبل أن يدرك القبطان أن الطائرة على المدرج الخطأ، ويصرخ: “لا! هذا هو المدرج الخطأ!”. حاول الطاقم تصحيح المسار، لكن العجلات اصطدمت بشاحنة على المدرج، مما أدى إلى تصادم عنيف وتحطم الطائرة وموت 72 من بين 88 راكبًا، بالإضافة إلى أحد عمال المطار.
حريق فاليوجيت 1996
في 11 مايو 1996، انطلقت رحلة فاليوجيت من ميامي، وتعرضت لحريق داخل عنبر الشحن بعد إقلاعها مباشرة نتيجة لتخزين غير آمن لأسطوانات أكسجين منتهية الصلاحية. بدء التسجيل بالصوت من انفجار خافت، وتبعته صرخات الركاب، وتدخل أفراد الطاقم في محاولة يائسة للسيطرة على الوضع، لكن النيران أحرقت الكابلات وسببت فشل الأنظمة، مما أدى إلى تحطم الطائرة في المستنقعات وقتل جميع الركاب وأفراد الطاقم.
مأساة إيرو بيرو 1996
في رحلة إيرو بيرو من ليما، نسي العامل أثناء الصيانة إزالة شريط لاصق كان يغطي أجهزة الاستشعار، مما أحدث تشويشًا في بيانات السرعة والارتفاع. خلال نحو نصف ساعة، سجلت الأنذارات تضارب المعلومات، وتجاهل الطاقم تحذير الاصطدام بالأرض، معتقدين أنهم على ارتفاع 9700 قدم، في حين كانت الطائرة تقترب من سطح المحيط، مما أدى إلى اصطدامها بالمحيط ووفاة معظم الركاب.
حادث رحلة الخطوط الجوية الفرنسية 447 2009
عندما واجهت طائرة إيرباص A330 عاصفة عنيفة فوق المحيط الأطلسي، تسبب تشكل بلورات الجليد في تعطيل أجهزة قياس السرعة. لم يدرك الطاقم أن الطائرة أصبحت غير قابلة للسيطرة، رغم الإنذارات الكثيرة، وذكر الطيار في النهاية: “لكنني كنت أمسك بالعصا طوال الوقت”، ثم تحطمت الطائرة، وأسفرت عن مقتل 228 شخصًا.
حادث رحلة الخطوط اليابانية 123 1985
بعد وقت قصير من إقلاعها، تسبب انفجار حاجز الضغط الخلفي في فقدان السيطرة على طائرة بوينج 747، واستمرت لمدة طويلة محاولات الطاقم للنجاة باستخدام المحركات، وسط غياب السيطرة الميكانيكية. انتهى الحادث إلى اصطدامها بجبل تاكاماتسو، ومصرع 520 من 524 على متنها، بينهما بعض من الناجين الذين توفوا لاحقًا نتيجة لتأخر إنقاذهم.