تبدو فكرة أن الطعام قد يغير شخصية الإنسان غريبة للوهلة الأولى، لكنها لم تعد بعيدة عن العلم مع تقدم علوم الأعصاب وعلم النفس والتغذية، إذ عاد السؤال بقوة: هل ما نأكله يوميًا قادر على تشكيل مزاجنا وسلوكنا وحتى شخصياتنا على المدى الطويل؟
البحث العلمي والاتجاه الجديد
أظهرت دراسات حديثة أن العلاقة بين أنماط الأكل والسمات النفسية ليست مجرد صدفة، فالأشخاص الأكثر وعيًا وانضباطًا يميلون عادةً إلى أنظمة غذائية غنية بالخضراوات والفواكه والحبوب الكاملة، بينما الذين يعانون من القلق أو الانفعالات الحادة كثيرًا ما يلجأون إلى الأطعمة السكرية والدهنية في ما يُعرف بالأكل العاطفي.
الشخصية والاختيارات الغذائية
يستهلك المنفتحون اجتماعيًا كميات كبيرة من الفاكهة والخضار، لكن طبيعة حياتهم الاجتماعية تجعلهم لا يترددون أيضًا في تناول الوجبات السريعة في التجمعات، أما العصبيون أو القلقون فيميلون إلى السكريات والدهون خصوصًا عند الضغط النفسي، في حين يحافظ الأشخاص ذوو الضمير الحي والانضباط على وجبات صحية ما ينعكس على استقرارهم النفسي وأدائهم العقلي.
دور الأحماض الدهنية والالتهابات
كشفت دراسات أن انخفاض مستويات أحماض أوميغا‑3 الموجودة في الأسماك الزيتية يرتبط بزيادة العصبية والتوجه نحو الأفكار السلبية، كما أن ارتفاع معدلات الالتهاب في الجسم يمكن أن يضعف الذاكرة ويؤثر على الانفعالات، ومن هنا يبرز النظام الغذائي المتوسطي الغني بالخضار والفواكه والمكسرات والأسماك كأحد الأنظمة الداعمة لصحة الدماغ وتقليل الالتهابات.
التجارب العملية
أظهرت تجربة على السجناء أن تزويدهم بمكملات غذائية غنية بالفيتامينات والأحماض الدهنية أدى إلى انخفاض واضح في السلوكيات العدوانية والانفعالية، ما يعكس قدرة التغذية على تحسين التحكم في الانفعالات حتى في البيئات الصعبة.
الميكروبيوم: بكتيريا الأمعاء والشخصية
تشير أبحاث حديثة إلى أن الميكروبات المعوية قد تكون رابطًا بين الطعام والشخصية، فتنوع البكتيريا الجيدة في الأمعاء ارتبط بميل الأشخاص لأن يكونوا أكثر اجتماعية وانفتاحًا، بينما قلة التنوع ارتبطت بالقلق والتوتر، وتجارب على الحيوانات أظهرت أن بكتيريا الأمعاء تؤثر سلوكها بشكل مباشر.
رغم أن العلم لا يزال في بداياته في هذا المجال، إلا أن الأدلة المتزايدة تجعلنا نعيد النظر في اختياراتنا الغذائية: فالطعام ليس مجرد مصدر للطاقة، بل قد يكون جزءًا من هويتنا يوجّه مشاعرنا وسلوكياتنا بطرق لا ندركها دائمًا.
