أخبارنا اليوم

معلومات الوزراء: 49 مليون طفل دون 18 عامًا ضمن 123.2 مليون نازح بنهاية 2024

أوضاع التعليم في ظل الحروب والنزاعات

تشير السنوات الأخيرة إلى سلسلة صراعات عالمية هيمنت على المشهد الدولي بشكل لم يُشهد له مثيل منذ عقود، حيث استمرت حروب في أوكرانيا وغزة والسودان حتى عام 2025، وترافق ذلك مع صعود وتيرة التصعيد في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية عام 2024 وتجدُّد الاشتباكات بين الهند وباكستان في مايو 2025، واستمرار حركات التمرد في أفريقيا جنوب الصحراء واندلاع النزاع في ميانمار.

تؤكد مؤشرات السلام العالمي لعام 2025 وجود نحو 59 صراعاً نشطاً حول العالم، وهو الأعلى منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتوضح أن هذه النزاعات لا تقتصر آثارها على الدول المعنية فحسب، بل تمتد إلى العالم بأسره، وتخلف خسائر بشرية واسعة ومعاناة إنسانية ودماراً في مقومات الحياة.

يُعد التعليم حجر الزاوية وأحد أهم ركائز التنمية المستدامة، فهو ليس هدفاً منفرداً فحسب (الهدف الرابع)، بل محفز رئيسي لتحقيق بقية الأهداف، حيث يساهم اقتصادياً في إتاحة قوة عاملة ماهرة ومدربة تبني التقنيات الحديثة وتبتكر وتقاد ريادة الأعمال، ما يعزز الإنتاجية ويجتذب الاستثمارات ويدفع بالنمو المعرفي. كما يسهم اجتماعياً في تحقيق المساواة وتمكين الفئات المهمشة والحد من الفقر، وتظهر دراسات عالمية أن كل سنة إضافية من التعليم تقود إلى زيادة قدرها 9% في الأجر الساعي، بينما بينت دراسة شملت 114 دولة خلال 1985-2005 أن كل سنة إضافية من التعليم تقلل معامل جيني بنحو 1.4 نقطة مئوية.

أصبح التعليم بحقوق الإنسان مكفولاً بقوة القانون للجميع بلا تمييز، وتلتزم الدول بحماية واحترام وإعمال الحق في التعليم. ويتضمن هذا الحق حق التعليم الابتدائي المجاني والإلزامي، والحق في تعليم ثانوي متاح وميسر، والحق في تكافؤ فرص الوصول إلى التعليم العالي على أساس القدرة الاستيعابية مع السعي لجعله مجانيًّا تدريجيًا، إضافة إلى الحق في التعليم الأساسي لمن لم يحظَ به، والحق في تعليم جيد في المدارس العامة والخاصة. كما يبرز أن الإنفاق على التعليم كان نحو 4.2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ومعدل 13.8% من الإنفاق الحكومي العالمي خلال الفترة 2010-2022، وفق بيانات البنك الدولي.

تشير التحليلات إلى أن الصراعات والحروب تمثل تهديداً وجودياً للتعليم؛ إذ تمتد آثارها لتشمل ليس فقط تدمير البنى التحتية وإنما مستقبل أجيال كاملة، فإغلاق المدارس خلال جائحة كورونا أدى إلى حرمان مليار طفل من سنة دراسية كاملة وتقدر الخسائر الاقتصادية طويلة المدى لهذا الانقطاع بنحو 21 تريليون دولار من دخل مدى الحياة وفق تقديرات البنك الدولي 2024.

وتبين الإحصاءات أن الخسائر التعليمية في مناطق الصراع تمتد بطول أمدها، إذ يعيش بنهاية 2024 أكثر من 470 مليون طفل حول العالم في مناطق متأثرة بالصراع بنحو واحد من ستة أطفال، وفق الأمم المتحدة. وتتنوع مظاهر الدمار تعرّض البنية التحتية للقصف أو التحويل إلى ملاجئ أو أهداف عسكرية، وذكر تقرير «الاعتداءات على التعليم 2024» وقوع نحو 6000 اعتداء على منشآت تعليمية بين 2022 و2023، بزيادة تقارب 20% مقارنة بعامي 2020 و2021، وتعرض المئات من المنشآت للتهديد أو النهب أو الحرق أو الاستهداف بالأجهزة المتفجرة. كما سجلت تقارير الاعتداءات زيادة في استخدام المدارس لأغراض عسكرية، حيث بلغ أكثر من ألف بلاغ عن احتلال منشآت تعليمية عبر 30 دولة.

تشير البيانات إلى أن الإنفاق العام في ظل النزاعات يميل إلى التصاعد في مسار الحرب والصراع، فحتى 2024 يمثل الإنفاق العسكري والأمن الداخلي نحو 73% من الأثر الاقتصادي للعنف، بما يقارب 19.97 تريليون دولار وإلى نحو 11.6% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مع زيادة قدرها 6% في الإنفاق العسكري وارتفاع قدره 44% في خسائر الناتج المحلي الناجمة عن الصراع. وفي المقابل بلغ الإنفاق على بناء السلام وحفظه نحو 47.2 مليار دولار فقط، ما يعادل 0.52% من إجمالي الإنفاق العسكري.

تؤدي التجارب النفسية والاجتماعية، إضافة إلى فقدان الأهل والنزوح والعنف، إلى صدمات تؤثر في تحصيل الأطفال العلمي، فبحلول نهاية 2024 بلغ عدد النازحين نحو 123.2 مليون، ويشكل حوالي 49 مليوناً منهم أطفالاً دون 18 عاماً. كما يجري تجنيد طلاب المدارس من قبل أطراف النزاع في عدة دول مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية والصومال وسوريا واليمن وكولومبيا، وفق تقارير الاعتداءات على التعليم 2024.

تُبين الأبحاث أن الفتيات يتأثرن بشكل غير متناسب، حيث ترتفع معدلات التسرب لديهن بسبب المخاوف الأمنية؛ ويبيّن تقرير حالة التعليم للأطفال والمراهقين المتأثرين بالأزمات 2025 أن من بين 234 مليون طفل ومراهق متأثرين بالأزمات حول العالم، نحو 85 مليوناً خارج المدرسة (حوالي 37%)، وسيطرة 52% منهن فتيات. كما نزح نحو 15 مليوناً قسراً، في حين بقي 83% من المتبقين (70 مليوناً) يعيشون في مجتمعاتهم لكنهم يواجهون صعوبات وصول إلى التعليم.

تؤكد المتغيرات أن طول أمد النزاع يقلل احتمال عودة المتسربين إلى المدرسة، وهو ما يحرمهم من اكتساب المهارات الأساسية للمشاركة الفعالة في مستقبلهم وفي تنمية بلدانهم.

تختتم هذه المعطيات بأن حماية التعليم في مناطق النزاع ليست مجرد قضية إنسانية، بل استثمار أساسي في مستقبل الاستقرار والتنمية المستدامة، إذ إن غياب التعليم يخلق جيلاً يفتقد المهارات اللازمة ويفقد الحماية من الإساءة والتجنيد والتطرف.

جهود الحد من مخاطر انهيار التعليم في أوقات الأزمات

تبين أن العمل الدولي يركز على ثلاثة محاور رئيسية: الإطار القانوني والمعياري الدولي، وآليات الرصد والمحاسبة، والجهود التنفيذية على الأرض من خلال برامج EiE (التعليم في حالات الطوارئ).

في المستوى القانوني، يؤكد القانون الإنساني الدولي واتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكولات الإضافية والمواثيق الدولية حماية الحق في التعليم في مناطق النزاع، وتُشير اتفاقية حقوق الطفل رقم 1 (2001) إلى أن الحق في التعليم لا ينتهي في حالات الطوارئ، وأن البرامج التعليمية خلال النزاع يجب أن تعزز التفاهم المتبادل والسلام والتسامح وتساعد على منع العنف والنزاعات.

وفي إطار الرصد والإبلاغ، أنشأ مجلس الأمن آلية للرصد والإبلاغ في عام 2005 لجمع معلومات دقيقة وفي الوقت المناسب عن انتهاكات حقوق الأطفال في النزاع المسلح، بهدف محاسبة المسؤولين عن الانتهاكات الجسيمة.

أما الجهود التنفيذية، فتقودها بشكل أساسي وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية من خلال برامج EiE التي نفذت اليونسكو بين 2020 و2024 أكثر من 320 مبادرة تعليمية في خمس مناطق استفاد منها نحو 42.5 مليون شخص.

وتشمل الجهود دعم البنية التحتية وإعادة التأهيل من خلال مشاريع مثل الشراكات الدولية لإعادة تأهيل المدارس في اليمن ومشروع إعادة تأهيل المرافق التعليمية في أوكرانيا بالتعاون بين الاتحاد الأوروبي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. كما أطلق صندوق «التعليم لا ينتظر» لدعم نتائج التعليم الجيد للاجئين والنازحين والمتأثرين بالأزمات، وهو يعمل بالشراكة مع الحكومات والجهات المانحة وباقي الجهات الفاعلة في المساعدات الإنسانية والإنمائية لرفع الكفاءة وتحسين الاستجابات.

غير أن هذه الجهود لا تكفي لحماية التعليم في ظل الصراعات، إذ يظل قطاع التعليم من أقل القطاعات تمويلاً، حيث لا يتجاوز نصيب التعليم من المساعدات الإنسانية نحو 3%. وتدعو مبادرة صندوق «التعليم لا ينتظر» المانحين من القطاعين العام والخاص إلى حشد 600 مليون دولار إضافية للوصول إلى 20 مليون طفل متضرر عبر التعليم الآمن والجيد بحلول نهاية الخطة الاستراتيجية للصندوق للفترة 2023-2026.

تختتم التحليلات بأن الحق في التعليم في ظل الصراعات حق عالمي معترف به، إلا أن تطبيقه يواجه تحديات كبيرة بسبب ظروف النزاع. وتؤكد ضرورة تعزيز حماية هذا الحق عبر قوانين دولية قوية وجهود إنسانية مستمرة، إضافة إلى تفعيل آليات المساءلة لضمان أن يبقى التعليم حقاً منفصلًا عن الحرب وليس أحد ضحاياها.

أيمن توفيق

كاتب ومدون في أفكار جديدة برؤية تهدف إلى تحقيق القيمة، وتقديم أشياء مفيدة للعالم. يحب القراءة والكتابة والتحدث عن لينكس والبيانات والحواسيب والتكنولوجيا والرياضة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى