يطبق الخبراء الاكتواريون الرياضيات على المشاكل المالية لتقييم الآثار المالية للأحداث غير المؤكدة وإدارة المخاطر المرتبطة بها من خلال تصميم وسائل الحد من أثرها وتحقيق استقرار الشركات.
نشأة وتطور العلوم الاكتوارية
تعود أصول العلوم الاكتوارية إلى القرن السابع عشر حين بدأ العلماء تطبيق الرياضيات على توقعات الحياة وحساب المعاشات. كان جون جراونت من بريطانيا من بين أول من درس جداول الحياة بناءً على بيانات الوفاة في لندن، وتلاه إدْموند هالي بجداول أكثر دقة. وفي القرن التاسع عشر ظهرت الجمعيات الاكتوارية الأولى في أوروبا، مثل المعهد الاكتواري البريطاني عام 1848. مع التطور الحوسبي ازدادت قدرة الاكتواريين على استخدام نماذج معقدة للتنبؤ والتحليل، مما مهد لتطور أوسع في علم التأمين.
الأهمية النظرية والعلمية للاكتوارية
تركّز الاكتوارية على دعامتين رئيسيتين: نظرية الاحتمالات وعلم السكان. يبني الاكتواري نماذج رياضية معقدة لمحاكاة المستقبل وتقدير التكلفة المالية للمخاطر. يعالج جوهر العمل تحويل عدم اليقين إلى خطر قابل للقياس والإدارة، وتحديد التوزيع الاحتمالي للنتائج المحتملة. يعتمد على مفهوم القيمة الزمنية للنقود لتقييم التدفقات المستقبلية، وهو أمر حاسم للالتزامات الطويلة مثل المعاشات واحتياطيات الحياة. كما يقوم على قانون الأعداد الكبيرة الذي يجعل تطبيقه ممكنًا عند وجود عدد كبير من الوحدات المعرضة للخطر، ما يساعد في توافق الخسائر الفعلية مع الخسائر المتوقعة.
طرق حساب الأقساط والاحتياطيات الفنية
في تسعير الحياة، يحسب القسط بناءً على جداول الحياة التي تحدد احتمالات الوفاة أو البقاء، ويُحسب القسط الصافي من القيمة الحالية للمنافع ثم يُضاف هامش التكاليف والأرباح ليكون القسط الإجمالي.
في التأمينات العامة كالسيارات والممتلكات، يعتمد التسعير على بيانات المطالبات السابقة وتوزيع الخسائر وتقدير التكرار والشدة، وتُستخدم تقنيات مثل التسعير القائم على الخبرة والتنبؤية.
أما الاحتياطيات الفنية فتنقسم إلى الاحتياطي الحسابي المبني على القيمة الحالية للالتزامات المستقبلية ناقصًا الأقساط المستقبلية، واحتياطي المطالبات المبلغة وغير المسددة RBNS واحتياطي المطالبات المتأخرة IBNR، وتُحتسب باستخدام تقنيات مثل طريقة سلسلة التطور.
دور الاكتواري في تعزيز استقرار شركات التأمين
يساعد الاكتواريون في ضمان الكفاية المالية والاحتياطيات من خلال تحديد مقدار الاحتياطيات اللازمة لمواجهة الالتزامات المستقبلية، باستخدام نماذج مثل نماذج التوزيع المركب ونماذج تطور المطالبات كـ Chain Ladder وBornhuetter-Ferguson. وتستخدم هذه النماذج لضمان توافر السيولة أمام المطالبات عند وقوعها.
يختبر الملاءة والقدرة على الوفاء من خلال التحمل واختبارات السيناريوهات، مع محاكاة أوضاع اقتصادية معاكسة وخسائر كبيرة لتعزيز ثقة المساهمين والجهات التنظيمية في استقرار الشركة.
يضبط أسعار المنتجات بناءً على مستوى المخاطر ويعزز العدالة في التسعير، حيث يتحمل كل فئة قسطًا يعكس مخاطرها الحقيقية، مما يمنع تحميل الشركة أعباء غير مبررة.
يستخدم في التسعير التفاعلي والتسعير الديناميكي أدوات الذكاء الاصطناعي لإتاحة مرونة في تعديل الأسعار وفق المتغيرات السوقية وسلوك العملاء، مما يساعد في الحفاظ على الربحية وتخفيف مخاطر الخسائر.
يعزز كفاءة إدارة المطالبات من خلال تقدير تكاليف المطالبات بدقة وتحديد الاحتياطات اللازمة، كما يسهم في الحد من الاحتيال باكتشاف أنماط غير عادية في المطالبات.
دعم التخطيط الاستراتيجي وتحليل التكاليف والعوائد
يساهم الاكتواري في إعداد سيناريوهات مستقبلية تشمل التغيرات الديموغرافية والمناخ الاقتصادي وتطورات السوق، ما يساعد في اتخاذ قرارات استثمارية مدروسة وتخفيف تقلبات العوائد وتحقيق الاستقرار.
التوافق مع الأطر التنظيمية
يرتكز الالتزام بمعايير الملاءة على التقديرات الاكتوارية لتحديد مدى كفاية رأس المال المطلوب. وفي تطبيق IFRS 17 يواجه الاكتواريون تحديات الدمج بين القياس والإيرادات والإبلاغ المالي وفق المعايير الجديدة، وهو يتطلب تكييف الأدوات وتطوير التعاون بين الأقسام المختلفة. وتؤثر هذه المعايير في منهجية تعديل المخاطر، ونهج معدل الخصم، وتحليل الاحتياطيات الإجمالية والمُتنازل عنها بشكل منفصل، ودمج العقود حسب الطرف المقابل، واستبعاد العقود غير المربحة، ومراعاة وقت نشوء التزام التأمين.
دور الإكتواري في تقييم استقرار المنتجات التأمينية الجديدة
قبل إطلاق منتج جديد يجري الاكتواري دراسة جدوى تشمل تحليل السوق والتكاليف المحتملة وتقدير المخاطر لضمان الربحية والاستقرار المالي، كما يقوم بمراقبة أداء المنتج بعد الإطلاق وتعديل الافتراضات الاكتوارية عند الحاجة لضمان استمرارية الربحية دون تعريض الشركة لمخاطر مفاجئة.
دعم خطط إعادة التأمين وتعزيز الاستقرار
يضع الاكتواري نماذج سيناريوهات الخسائر الكبرى لتحديد الحاجة إلى إعادة التأمين، ويشارك في تصميم استراتيجيات إعادة التأمين لاختيار الكميات والنوعية التي توازن بين التكلفة والحماية وبالتالي استقرار الأرباح.
التنبؤ بالتغيرات الاقتصادية وأثرها على الشركة
تحليل تأثير التضخم يساعد في تقدير المخاطر المرتبطة بارتفاع كلفة المطالبات وتحصّنه، بينما يحلل الاكتواري أثر أسعار الفائدة على الالتزامات والمحافظ الاستثمارية نظرًا لطبيعة استثمارات التأمين على المدى الطويل، بهدف تقليل أثر التقلبات.
بناء ثقافة اكتوارية داخل الشركة
يسهم الاكتواري في رفع فهم الإدارة والموظفين للمخاطر والتسعير والاحتياطيات، ما يؤدي إلى قرارات أكثر عقلانية، كما يعزز التعاون بين الإدارات مثل المالية والتسويق والامتثال لتحقيق استقرار مؤسسي أوسع.
الأهمية الاقتصادية والرقابية لدور الإكتواري
يتجاوز دور الاكتواري حدود الشركة ليخدم استقرار القطاع ككل والاقتصاد الوطني من خلال حماية حملة الوثائق عبر ملاءة شركات التأمين، ودعم الاستقرار المالي لتجنب انهيار شركات التأمين وانتقال الأزمات إلى القطاعات الأخرى، كما يساعد هيئات الرقابة في مراجعة تقارير الملاءة وتطبيق معايير مثل Solvency II وتمكين الامتثال والمتابعة العامة للقطاع.