التجربة البريطانية وأثرها الواضح

    تُقدِّم بريطانيا نموذجًا مبكرًا في تطبيق ما يُعرَف بالوصفات الاجتماعية، حيث أُطلق عام 2014 مشروع “المتاحف موصوفة طبياً” كخطوة نحو دمج الزيارات الثقافية في الرعاية الصحية. ثم تمدد النطاق لاحقاً ليشمل زيارات المتاحف والمعارض كجزء من الرعاية الصحية الرسمية، وأظهرت البيانات انخفاض زيارات الطبيب بنسبة 37% وتراجع حالات الدخول إلى المستشفيات بنسبة 27% وفق تحالف الثقافة والصحة والرفاهية، كما ذكر موقع SCMP.

    انتشار الفكرة عالميًا

    بدأ الأطباء في مونتريال منذ 2018 بإصدار وصفات لزيارة متحف مونتريال للفنون الجميلة، بمعدل يصل إلى 50 وصفة لكل طبيب سنوياً وتغطيتها ضمن التأمين الصحي. أطلقت بروكسل في 2021 برنامجاً مشابهاً شمل خمس متاحف ليصبح اليوم أكثر من عشر متاحف و18 مؤسسة طبية، مع تحمل المدينة رسوم الدخول. وفي فرنسا امتدت المبادرات من بريتانى إلى كوت دازور، إذ تتيح وصفة “الفن صحة” دخول متحف ماتيس في نيس، وتجرى أبحاث موسعة حول تأثير الفن على الرفاهية في مدن مختلفة.

    تأثيرات الفن على الدماغ والصحة النفسية

    تراه المؤرخة الفنية ناتالي بونديل أن الثقافة في القرن الحادي والعشرين ستقوم بدور مماثل للدور الذي لعبته الرياضة في القرن الماضي لصحة البشر، بينما تقول الطبيبة النفسية كاثرين هاناك من مستشفى جامعة بروغمان في بروكسل أن مشاهدة الفن تثير في الدماغ دفعات كيميائية تشبه الألعاب النارية الصغيرة، حيث يفرز الدوبامين ويولد إحساساً فورياً بالسعادة، وهو تأثير شبيه بما يحدث عند ممارسة الرياضة أو التنزه في الطبيعة. وفي هونغ كونغ وزع متحف M+ أكثر من 10 آلاف تذكرة مجانية على طلاب الجامعات لمعرض الفنانة يايوي كوساما، معتبرةً فنّها وسيلة لشفاء البشرية.

    أبحاث علمية ومشاريع مستقبلية

    أظهرت دراسات في ألمانيا أن زيارة المتاحف تساعد في تخفيف الاكتئاب والخرف والشعور بالوحدة، بل وتفوّقت أحياناً على الأدوية من حيث الفعالية والتكلفة. وأوصى تقرير من الجامعة التقنية في درسدن بإدراج هذه الزيارات ضمن الرعاية الصحية القياسية. وفي برلين، يجري متحف بودة تجربة “متحف الشفاء” بالتعاون مع شبكة مستشفيات شاريتـيه، حيث تُتاح غرف للتأمل وتمارين الذهن أمام الأعمال الفنية. كما قيمت منظمة الصحة العالمية أكثر من 3000 دراسة وأكدت أن الفعاليات الفنية والثقافية تعزز الصحة الجسدية والنفسية وتساعد على التعافي، لكن الباحثين يؤكدون أن الفوائد الطبية لم تثبت حتى الآن بشكل قاطع، رغم أن التجارب تشير إلى نتائج واعدة تمنح المتاحف دوراً علاجياً محتملًا في المستقبل.

    شاركها.
    اترك تعليقاً