أعلن باحثون أن تعدد المهام أصبح جزءاً من نمط الحياة اليومية لكثير من الناس، حيث يتعاملون مع رسائل البريد أثناء الاجتماعات، ويكتبون رسائل أثناء إعداد العشاء، ويجهزون الأطفال للمدارس. وتُظهر نتائج الدراسات أن هذا النمط يفرض عبئاً ذهنياً متزايداً ويؤثر في الصحة النفسية. كما أن التبديل المتكرر بين المهام واستخدام الوسائط المتعددة قد يرفع مستويات التشتت ويقلل من جودة الأداء. وتؤكد هذه المعطيات الحاجة إلى تنظيم أكثر حكمة لسير العمل وتحديد فترات تركيز عميق عند إنجاز المهام.
تأثير التبديل على الدماغ
يؤكد العلماء أن الانتقال من مهمة إلى أخرى يضغط على القشرة الجبهية المسؤولة عن الانتباه واتخاذ القرار، وهي منطقة ذات قدرة محدودة ولا تستطيع معالجة مهمتين معقدتين في آن واحد. عند التبديل يتوقف الدماغ عن تطبيق قواعد مهمة أولى ثم يبدأ بتطبيق قواعد جديدة تخص المهمة التالية، فيفقد الدماغ الوقت والدقة. نتيجة ذلك تعرف بتكلفة التبديل، وهي جهد إضافي ووقت ضائع خلال عملية الانتقال بين المهام. هذه الدينامية تفسر ارتفاع معدل الأخطاء وتراجع الأداء أثناء الأداء المتعدد.
أما قدرة الدماغ على تجاهل المشتتات فتنخفض مع تكرار تنفيذ تعدد المهام الإعلامية، وتظهر نتائج الدراسات أن المحفزات غير المتعلقة بالمهمة الجارية تتسلل إلى الانتباه وتؤثر في الأداء. ويظهر ذلك بوضوح في انخفاض القدرة على التركيز وتزايد التشتت أثناء تنفيذ المهام. كما يرتبط ذلك بضعف في أداء اختبارات الانتباه والتركيز مقارنة بفئات قليلة الاعتماد على التعدد الإعلامي.
وتؤكد الدراسات أن الذاكرة العاملة تتعرض لضغط مع التبديل المستمر بين المهام؛ فالذاكرة العاملة مسؤولة عن الاحتفاظ بالمعلومات أثناء الأداء، وتواجه صعوبات في الاحتفاظ بالبيانات ومعالجتها بدقة عند التبديل المتكرر. وهذا يظهر كضعف في الأداء المعرفي في الاختبارات المعملية المتعلقة بالذاكرة. بالتالي ينعكس الإرهاق المعرفي الناتج عن هذا النمط على مجريات العمل والدراسة والمزاج بشكل عام.
هل يؤدي تعدد المهام إلى إتلاف الدماغ بشكل دائم؟
لا توجد دلائل قاطعة تدل على وجود تلف بنيوي دائم في دماغ البالغين الأصحاء بسبب التعدد، وتبرز غالبية الدراسات فروقاً وظيفية في كيفية عمل الدماغ أثناء الأداء وليست إصابة بنيوية مستمرة. من جهة أخرى، قد تساهم عادات التشتيت المزمنة في تعزيز صعوبات الانتباه والتركيز العميق مع مرور الوقت وتؤثر سلباً على التعلم والعمل. لذا تظل النتائج المتعلقة بالتأثير الطويل الأمد بحاجة إلى دراسات دقيقة وتلك الدراسات يجب أن تراعي الاختلافات الفردية في الاستجابة للمهمة.
تشير بعض الأبحاث إلى ضرورة إجراء دراسات طولية لتحديد العلاقة بين التشتت المستمر والتغيّرات الإدراكية، وتبقى النتائج حتى الآن متباينة وتخضع لاختلافات فردية. وبناء عليه، يلزم توجيه الجهود العلمية نحو فهم الأسباب والنتائج بشكل أكثر وضوحاً مع الاحتياج إلى متابعة طويلة الأجل. كما أن الاقتران بين العادات اليومية والقدرات التحليلية المعرفية قد يحتاج إلى رصد مستمر لتقييم أي آثار محتملة على الأداء والتعلم.
ماذا يحدث عند تعدد المهام؟
يتجلى في التعدد المزمن إرهاقاً ذهنيّاً واضطراباً في النوم وصعوبة في إتمام المهام، مع الإشارة إلى أن ذلك لا يفسد الدماغ بنيوياً، لكنه يضعف أنماط التركيز العميق ويتأثر الأداء في العمل والدراسة والمزاج. كما يمكن أن يزيد التشتت مع الاعتماد المستمر على التعدد الإعلامي، ما يجعل من المهم الانتباه إلى العادات اليومية. وبالإضافة إلى ذلك، قد يواجه الفرد صعوبة في إتمام ما بدأه إذا استمر في التنقل بين المهام بشكل متكرر.
يمكن تقليل التأثير عبر تقليل عدد مرات تبديل السياقات في الساعة وتخصيص فترات زمنية محددة للمهام، وتقليل الإشعارات. واستخدام الهاتف كأداة تنظيمية بدلاً من كونه مصدراً للإلهاء يساهم في تعزيز التركيز وتقليل الإرهاق الذهني. وتطبيق هذه التعديلات البسيطة قد يظهر أثرها على تحسين الأداء في العمل والدراسة وتحسين المزاج مع مرور الوقت.
إرشادات عملية
يمكن تقليل التأثير عبر تقليل عدد مرات تبديل السياقات في الساعة وتخصيص فترات زمنية محددة للمهام. قلل الإشعارات واستخدم الهاتف كأداة تنظيمية بدلاً من مصدر للإزعاج المستمر. هذه التعديلات البسيطة تعزز القدرة على التركيز وتقلل الإرهاق الذهني على المدى الطويل.