أظهرت الدراسات الحديثة أن أسطورة أن الإنسان لا يستخدم سوى 10% من دماغه لا أساس لها من الصحة. وتبيّن تقنيات التصوير الدماغي الحديثة مثل التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) والتصوير المقطعي بالإصدـار البوزيتروني (PET) أن نشاط الدماغ يشمل مناطق متعددة في الوقت نفسه، حتى أثناء أداء مهام بسيطة. وتوضح النتائج أن جميع أجزاء الدماغ تؤدي وظائف مختلفة ومترابطة تسهم في التفكير والإحساس والحركة والعاطفة.

نشاط الدماغ المستمر ومهام متعددة

لا يتوقف الدماغ عن العمل مطلقاً، بل يبقى نشطاً حتى في حالات السكون أو أحلام اليقظة للحفاظ على وظائف حيوية مثل التنفّس وضربات القلب وتنظيم المشاعر والذاكرة. كما تشير الدراسات إلى أن الدماغ يبقى نشطاً بفضل ما تُعرف بـ”شبكة الوضع الافتراضي” حتى أثناء عدم التركيز أو الشرود الذهني.

وظائف المناطق الدماغية المختلفة

ويفيد العلماء بأن لكل منطقة من الدماغ وظيفة محددة؛ فالفص القذالي يعالج المعلومات البصرية، بينما يتعامل الفص الصدغي مع الأصوات، وتتولى القشرة الجبهية الأمامية مهام معقدة مثل التخطيط واتخاذ القرار وحل المشكلات. أما المخيخ فيتولى تنسيق الحركات وضمان توازن الجسم، فيما يدير جذع الدماغ العمليات الحيوية التلقائية كالتنفس وضبط ضغط الدم. وتتعاون هذه المناطق معاً بشكل متكامل في الأداء اليومي للإنسان.

استهلاك الدماغ للطاقة وتأثيره على الوظائف اللاواعية

يستهلك الدماغ نحو 20% من الأوكسجين والطاقة التي يستخدمها الجسم، رغم صغر حجمه، ما يعكس مدى نشاط خلاياه العصبية. هذا النشاط لا يقتصر على الوعي فحسب، بل يشمل أيضاً العمليات اللاواعية مثل تنظيم الإحساس والتفاعل السريع مع الأخطار بواسطة ردود فعل تتحكم فيها الحبل الشوكي وجذع الدماغ. وتبرز هذه الحقيقة أهمية الاتصالات العصبية المستمرة في دعم الأداء اليومي.

المرونة العصبية والتعلم مدى الحياة

وتبرز الأبحاث المرونة العصبية، وهي قدرة الدماغ على إعادة تشكيل شبكاته العصبية وتكوين وصلات جديدة عند التعلم أو التعافي من إصابة. تتيح هذه الخاصية للإنسان اكتساب مهارات جديدة وتحسين الأداء الذهني على المدى الطويل. وتؤكد النتائج أن الدماغ يمتلك قدرة عالية على التكيّف والتعلّم مدى الحياة.

النوم والإبداع وتنسيق المعرفة

وتبيّن أن النوم ليس فترة خمول دماغي، بل مرحلة حيوية لإعادة تنشيط الذاكرة وتنظيم عمل الخلايا العصبية وتقليل الإرهاق الذهني. كما أن الإبداع يعتمد على تعاون عدة مناطق دماغية، تعمل معاً لدمج المعرفة القديمة في أفكار جديدة ومبتكرة. ويشير ذلك إلى أن الجمع بين التفكير الواعي والمهام المعرفية المتنوعة يعزز الإبداع.

التوتر والاحتياطي المعرفي

ويحذر العلماء من أن التوتر المزمن يؤثر سلباً في أداء الدماغ، خصوصاً في اللوزة الدماغية المسؤولة عن الاستجابات العاطفية، ما يؤدي إلى ضعف الذاكرة واتخاذ القرار. في المقابل يمكن تعزيز ما يُعرف بالاحتياطي المعرفي من خلال أنشطة ذهنية محفزة مثل القراءة والتعلم وحل الألغاز، وهو ما يساعد على حماية الدماغ مع التقدم في العمر. وتؤكد هذه الاستراتيجيات أهمية المحافظة على نشاط الدماغ وتدريبه طوال الحياة.

شاركها.
اترك تعليقاً