توضح المصادر أن موسم السعال والعطس يرفع الطلب على المكملات الغذائية، وفي مقدمتها فيتامين سي، كداعم يدعي حماية محدودة من نزلات البرد والإنفلونزا. وترد تقارير بأن لينوس بولينج الحاصل على جائزة نوبل هو من أشهر من أطلقوا فكرة أن جرعات عالية منه قد تمنع الإصابة بالبرد. وتؤكد الآراء العلمية أن هذه الفكرة لم تستند إلى أدلة قوية وإنما إلى روايات وتجارب شخصية. وتظل الأسواق تروّج للفيتامين سي بوصفه قاعدة أساسية لدعم المناعة، رغم ضعف الأدلة القاطعة.
أدلة غير حاسمة
توضح الدكتورة ليلى هانبيك، وهي رئيسة تنفيذية لجمعية الصيادلة المستقلين في بريطانيا، أن معظم الدراسات حول دور الفيتامينات في علاج نزلات البرد ليست حاسمة. وتقول: أظهرت بعض الأبحاث عدم وجود صلة بين تناول المكملات وتخفيف الأعراض، بينما أشارت دراسات أخرى إلى إمكانية المساعدة في إدارة الأعراض وتقليل شدتها. وتؤكد هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية أن الأدلة حول فاعلية فيتامين سي في منع الإصابة أو تسريع الشفاء ما زالت ضعيفة، وأن دوره الحقيقي يظل في دعم الجهاز المناعي وحماية الخلايا من الأضرار الناتجة عن الجذور الحرة.
وتشير النتائج إلى أن الآثار ليست ثابتة ولا يمكن الاعتماد عليها كإجراء وقائي موثوق، بينما يرى بعض العلماء أن النتائج متباينة حسب المجموعة والدراسة. كما يلاحظ خبراء أن الفائدة المحتملة قد تكون مرتبطة بعوامل فردية مثل العمر والحالة الصحية، وليست قاعدة عامة للجميع.
ماذا تقول الدراسات الحديثة؟
نشرت دراسة في مجلة أمريكية لطب نمط الحياة أن تجاوز 0.2 جرام يوميًا من فيتامين سي قد يقلل من شدة ومدة نزلات البرد. كما أكدت مراجعة علمية عام 2023 أُجريَت من الجامعة الوطنية الأسترالية وجامعة هلسنكي أن الفيتامين نفسه قد يساهم في تقصير مدة المرض. ورغم هذه النتائج، تظل الهيئة العامة للصحة البريطانية تقر بأن الدليل ليس قاطعًا وأن الآثار ليست ثابتة، وتؤكد أن النتائج قد تكون غير موثوقة في بعض الحالات بحسب الدراسات المجموعات السكانية.
يؤكد باحثون آخرون أن النتائج قد تختلف بناءً على العديد من العوامل، ما يجعل الاعتماد على فيتامين سي كإجراء وقائي موثوق غير مؤكد تمامًا. وترى بعض الجهات أن مكملات الفيتامين سي يمكن أن تساهم في إدارة الأعراض بشكل محدود ولكن لا تعتبر حلاً سحريًا كما يروج البعض. وتظل النصيحة الطبية العامة هي الاعتماد على نمط حياة صحي وتغذية متوازنة كأساس للدعم المناعي.
رأي علماء الأوبئة
يقول البروفيسور بول هانتر، خبير الأوبئة في جامعة إيست أنجليا، إن فيتامين سي ليس علاجًا فعالًا للنزلات البرد. يوضح أن المشكلة تكمن في الحماس الزائد للمكملات دون دعم علمي كافٍ، مشيرًا إلى أن الكثيرين يروّجون لمكملهم كعلاج معجزة بينما لا تدعمه الأدلة القاطعة. يؤكد أن الفكرة الأساسية أن النتائج غير ثابتة وغير موثوقة.
المكملات الغذائية والتوقعات
رغم الشكوك العلمية، يواصل الناس شراء الفيتامينات بكثرة. وأشار تقرير إلى أن البريطانيين أنفقوا نحو 442 مليون جنيه إسترليني على الفيتامينات والمكملات الغذائية في 2018 وحده، ما يعكس ثقة الجمهور في هذه المنتجات رغم عدم وجود دليل قاطع حتى الآن. وتؤكد المتابعة أن الإنفاق الكبير يعكس رغبة الناس في تعزيز الصحة بشكل عام أكثر من كونها استراتيجيات وقائية مثبتة.
هل هناك بدائل أكثر فاعلية؟
تشير الدكتورة هانبيك إلى أن الحفاظ على نظام غذائي متوازن يحتوي على الفيتامينات والمعادن الأساسية هو أفضل وسيلة لدعم جهاز المناعة. وتؤكد أن فيتامينات د وج وزنك تلعب أدوارًا مهمة عند الحصول عليها بشكل منتظم من الغذاء أو من المكملات عند الحاجة. وتضيف أن نقص هذه العناصر يجعل الجسم أكثر عرضة للعدوى، لذا يُفضل الاعتماد على مصادر غذائية موثوقة أولاً.
وتظهر دراسة أخرى أن الزنك لا يمنع نزلات البرد، لكنه قد يقلل من مدة الأعراض، مع العلم أن معظم الناس يمكنهم الحصول على كفايتهم من الزنك من اللحوم الحمراء ومنتجات الألبان. وتبرز أهمية التنويع الغذائي والتوازن اليومي في تعزيز الاستجابة المناعية بشكل عام. كما أن بعض الحالات قد تستفيد من مكملات محددة تحت إشراف طبي بناءً على الاحتياج الفعلي.
فيتامين د بطل خفي في فصل الشتاء
يُعد فيتامين د من العناصر الحيوية التي تزداد أهميتها في الشتاء، إذ يساعد على الحفاظ على صحة الجهاز المناعي. ووفقًا لمراجعة علمية نشرت في مجلة لانسيت عام 2021، يمكن أن يعزز فيتامين د مقاومة الجسم لفيروسات الجهاز التنفسي، خصوصًا لدى الأشخاص الذين يعانون من نقصه. وتؤكد الدراسات أن الحصول على مستويات كافية من فيتامين د مهم لتعزيز الاستجابة المناعية بشكل عام.
وتنصح هيئة الخدمات الصحية الوطنية بتناول قرص يومي من فيتامين د خلال فصلي الخريف والشتاء لتعويض قلة التعرض لأشعة الشمس. كما تظل الحماية من العدوى جزءًا من إطار وقائي شامل يشمل التطعيمات والنوم الجيد والنشاط البدني والالتزام بنظافة اليدين وتفادي التماس المباشر مع المصابين. ويظل تعزيز المناعة جزءًا من نمط حياة صحي وليس حصارًا لمكمل واحد فقط.
الوقاية خير من العلاج
توضح هيئة الخدمات الصحية الوطنية أن نزلات البرد غالبًا ما تكون سيلان أنف وسعال وعطس خفيف، بينما تكون الإنفلونزا أكثر حدة وتسبب الحمى وآلام الجسم، في حين أن كورونا قد يؤدي إلى أعراض مشابهة مع مخاطر أكبر على الفئات الضعيفة. وتوصي الجهات الصحية بتلقي لقاح الإنفلونزا ولقاح كورونا كإجراءات رئيسية لتقليل شدة العدوى والمضاعفات المحتملة، خصوصًا لكبار السن والمرضى المزمنين والحوامل. كما تؤكد أن الوقاية عبر اللقاحات تبقى من أهم الأدوات للحد من العبء الصحي الناتج عن هذه الأمراض الموسمية.