تحتفل الدول والمنظمات اليوم العالمي للفتاة في الحادي عشر من أكتوبر من كل عام، وتؤكد على أهمية تمكين الفتيات نفسيًا واجتماعيًا وصحيًا منذ الصغر. وترتكز هذه المناسبة على المرحلة التأسيسية التي تبدأ داخل البيت وتبني الثقة بالنفس والصورة الذاتية مدى الحياة. وتشير الأبحاث إلى أن استجابة الوالدين لمشاعر الفتاة تؤثر بشكل مباشر في بنيتها الذاتية وقدرتها على مواجهة الضغوط لاحقًا.

البيئة الأسرية ودورها في بناء التوازن النفسي

من منظور علم النفس التنموي، يعتمد بناء الثقة على ثلاثة محاور مترابطة: القبول والانتباه والدعم. القبول يعني أن تشعر الفتاة بأن قيمتها مرتبطة بوجودها الإنساني وليس بأدائها أو مظهرها. أما الانتباه فيرتبط بمدى وعي الأهل بتفاصيل سلوكها ولغتها وانفعالاتها اليومية. أما الدعم فيشمل المساندة اللفظية والعاطفية التي تُقدَّم في لحظات الضعف كما في أوقات النجاح.

تشير الدراسات إلى أن استجابة الأهل لانفعالات بناتهم تترك أثرًا عميقًا في تشكيل الصورة الذاتية. تجاهل المشاعر أو التقليل من أهميتها يضعف البنية العاطفية ويُغذّي الشكّ الداخلي، بينما الاعتراف بالمشاعر وتنظيمها تدريجيًا يُسهم في تعزيز الثقة والاتزان.

التواصل اللفظي واللغوي كأداة علاجية

تُعد اللغة الوسيط الأهم في تكوين مفهوم الذات، لذا تمتلك الفتيات حساسية لغوية عالية ما يجعل كلمات الوالدين ذات أثر طويل الأمد. الرسائل اللفظية البسيطة مثل “أراكِ تبذلين جهدك” تُشجّع السلوك الإيجابي وتُنْشّط دوائر المكافأة في الدماغ. وفي المقابل، العبارات التقييمية المباشرة مثل “أنتِ ذكية” أو “أنتِ مخطئة دائمًا” تعيد تشكيل الهوية اعتمادًا على التقييم الخارجي وتضعف النمو النفسي.

من الناحية السلوكية، يُنصح الأهل باتباع أسلوب الإنصات النشط، ما يمنح الفتاة مساحة كافية للتعبير قبل الردّ ويخفف التوتر. هذا النمط من التواصل يساهم في إفراز ناقلَي السعادة مثل الأوكسيتوسين والسيروتونين، ويعزز إحساس الأمان لديها.

الحيل النفسية لتعزيز الثقة دون ضغط نفسي

يمكن تطبيق عدة استراتيجيات يومية لبناء ثقة صحية دون تضخيم أو مثاليات زائفة. التجنّب المقارنة يقلل القلق الاجتماعي ويركز الفتاة على التقدم الشخصي. التحفيز يجب أن يكون محددًا ومبنيًا على السلوك دون الاعتماد على الصفات الثابتة مثل الجمال أو الذكاء. التعليم من خلال الملاحظة يشكل نموذجًا أقوى من أي توجيه نصي، فحين ترى الفتاة الأم تتعامل مع ذاتها بثقة وهدوء تتعلّم هذه القيمة. كما أن منحها مسؤولية باتخاذ قرارات بسيطة في سن مبكرة يعزّز القدرة على اتخاذ القرار ويقلل الاعتماد على الآخرين.

العوامل البيولوجية والنفسية المشتركة في بناء الهوية النفسية

من الجانب الطبي-النفسي، تعتبر فترة المراهقة مرحلة حرجة في نضج الدماغ الانفعالي والمعرفي مع تغير مستويات الهرمونات العصبية، ما يجعل الفتيات أكثر حساسية للجوانب المتعلقة بالجسم والمظهر. وتوصي الجمعيات النفسية بأن يكون خطاب الأسرة في هذه المرحلة داعمًا وغير نقدي، مع التركيز على قيم مثل الذكاء العاطفي والمرونة والقدرة على التنظيم الذاتي. كما تشير الأبحاث إلى أن ممارسة الرياضة المنتظمة تعزز إفراز الدوبامين والإندورفين مما ينعكس إيجابًا على المزاج والإدراك الذاتي.

الأم نموذج الثقة الأول

من منظور علاجي، تمثل الأم المرآة العصبية الأولى لابنتها. وتخزّن الطريقة التي تتعامل بها الأم مع جسدها ولغتها عن الأخطاء واستجابتها للتوتر في الذاكرة الانفعالية للطفلة. إظهار التوازن بين الرعاية الذاتية والمسؤولية يعيد برمجة مفاهيم الكفاءة والاستحقاق داخل عقل الفتاة، وتتعلم أن احترام الذات ليس أنانية بل ضرورة صحية.

شاركها.
اترك تعليقاً