يُعَرِّف هذا الاضطراب النفسي الفصام بأنه حالة حادة تتميز بالهلوسة واضطراب الكلام والتفكير ومعتقدات خاطئة عن العالم أو الذات، إضافة إلى صعوبات في التركيز والانتباه. تؤثر أعراضه على الأداء اليومي وتتنوع بين ضيق الواقع وتفكير غير منضبط في بعض الأحيان. وعلى الرغم من كثرة الدراسات الجارية حول أسبابه وآليات تطوره، يبقى الأساس الفسيولوجي العصبي للفصام غير محدد بشكل قاطع.
أجرى فريق من الباحثين في كلية كينجز كوليدج لندن ومستشفى هامرسميث وإمبريال كوليدج لندن دراسة جديدة لفحص العلاقة بين الحديد والميالين وأداء الدماغ لدى المصابين بالفصام. شملت الدراسة 85 فردًا مصابًا بالفصام و86 فردًا من مجموعة ضابطة، وتَم تحليل أدمغتهم باستخدام تقنيات تصوير بالرنين المغناطيسي الحساسة للحديد والميالين. هدف البحث هو تحديد ما إذا كانت مستويات الحديد والميالين في مناطق دماغية محددة ترتبط بالمرض وتؤثر في إشارات الدماغ. كُشِف أن هذه التقنيات سمحت بتحديد مناطق مثل المنطقة المذنبة والبطامة والكرة الشاحبة حيث يبرز الخلل.
اختلالات الحديد والميالين في الدماغ
أظهرت النتائج وجود شذوذ في مستويات الحديد والميالين في مناطق محددة من أدمغة المصابين بالفصام، وتحديداً في مناطق تُعنى بتوصيل الإشارات العصبية. ويرتبط الانخفاض في الميالين بنقص في الخلايا الدبقية قليلة التغصن التي تساهم في إنتاج الميالين، وهو ما قد يفسر جزءًا من مشاكل الاتصال العصبي المرتبطة بالمرض. كما أشار الباحثون إلى أن حساسية المجال المغناطيسي الدماغي لدى مرضى الفصام كانت أقل، وهو ما يعزز فكرة وجود انخفاض عام في الحديد والميالين في مناطق رئيسية للوظائف الإدراكية. هذه النتائج تدعم تصور أن تفاوت الحديد والميالين يمكن أن يشرح آليات الاضطراب الدماغية الكامنة ويوجه بحثًا مستقبليًا نحو مؤشرات حيوية جديدة.
آفاق البحث والتطبيقات المحتملة
يُتيح هذا العمل بابًا لمزيد من الدراسات التي تستكشف أثر نقص الحديد والميالين على أعراض الفصام المختلفة وكيفية ارتباطها بالوظائف المعرفية والسلوكية. يُنتظر أن تركز الأبحاث القادمة على إمكانات العلاجات التي تدعم إصلاح الطبقة العازلة الميالين أو رفع مستويات الحديد في الدماغ كجزء من مقاربة علاجية جديدة. كما ستتم متابعة هذه العلامات في فئات أخرى من الأفراد المعرضين للخطر للمرض، بما في ذلك مرضى الاضطراب الثنائي القطب، بهدف تقدير قدرتها على التنبؤ بالاستجابة للعلاجات النفسية.
تشير الدراسة إلى أن العوامل البيولوجية في الدماغ قد تلعب دورًا رئيسيًا في شيزوفرينيا وتوفر مسارًا لفهم آليات المرض بشكل أعمق. تفتح النتائج الباب أمام استخدام مؤشرات حيوية جديدة في التقييم والفهم، وربما في تطوير علاجات تركّز على إصلاح الميالين أو تنظيم مستويات الحديد الدماغي. مع ذلك، يتطلب الأمر مزيدًا من البحث لتثبيت هذه النتائج وتقييم فائدتها العملية في العلاجات النفسية والدوائية.