يعلن معهد سكريبس للأبحاث عن وجود إدراك داخلي يُعرف بأنه حاسة داخلية خامسة. يوصف بأنه ليس حاسة تتيح التفاعل مع العالم الخارجي، بل تقيس ما يجري داخل الجسم باستمرار. يعتمد الدماغ على هذه الإشارات ليعرف متى يحتاج الجسم إلى الأكسجين، أو كيف يُنظَّم ضغط الدم، أو متى ينبغي مقاومة عدوى أو الشعور بالجوع والعطش. يمثل ذلك بمثابة نظام إنذار داخلي يحافظ على التوازن الحيوي دون وعي.

وقد جاء هذا الاكتشاف بعد جهود بحثية كبيرة من معهد سكريبس للأبحاث، الذي حصل مؤخرًا على منحة قدرها 14.2 مليون دولار من المعاهد الوطنية للصحة الأمريكية لدراسة هذا النظام الغامض. يقود المشروع البروفيسور شين جين، الذي وصف الإدراك الداخلي بأنه ‘واحد من أكثر مجالات علم الأعصاب غموضا، رغم أنه أساسي لكل جانب من جوانب الصحة’. يهدف الفريق العلمي إلى رسم أول أطلس عالمي للجهاز الحسي الداخلي، خريطة دقيقة توضّح كيف ترتبط الخلايا العصبية الحسية بمجموعة واسعة من الأعضاء الداخلية، من القلب والرئتين إلى المعدة والكليتين.

أهداف المشروع وتأثيره

هذا المشروع قد يُحدث نقلة نوعية في فهمنا للعلاقة بين الدماغ والجسم، ويمهد الطريق لعلاجات جديدة لأمراض لطالما حيّرت الأطباء. فقد تبيّن أن اضطراب هذا النظام الداخلي يرتبط بعدة حالات صحية معقدة مثل الألم المزمن، واضطرابات المناعة الذاتية، وارتفاع ضغط الدم. والأكثر إثارة أن له تأثيرًا عميقًا على الصحة النفسية، وفقًا لـ ديلي ميل.

الصلة بالصحة النفسية

بحسب دراسة شاركت فيها الباحثتان جينيفر مورفي من جامعة رويال هولواي وفريا برينتيس من كلية لندن الجامعية، فإن الإدراك الداخلي يلعب دورا محوريا في تنظيم العواطف واتخاذ القرارات والقدرة الاجتماعية. وتشير أبحاثهما إلى أن اضطرابه قد يفسر تشابه الأعراض بين أمراض نفسية مختلفة مثل القلق والاكتئاب واضطرابات الأكل، حيث غالبًا ما يعاني المصابون بها من صعوبات في تفسير الإشارات الصادرة من أجسامهم. فعلى سبيل المثال، قد يخطئ الدماغ في قراءة إشارات الجوع أو الإرهاق أو تسارع ضربات القلب، فيفسرها كتوتر أو خوف أو رغبة في تناول الطعام، ما يؤدي إلى اختلالات سلوكية أو نفسية معقدة.

آفاق وتطبيقات محتملة

ويرى العلماء أن فهم هذه الحاسة بدقة يمكن أن يفتح الباب أمام عصر الطب الشخصي، حيث تُستخدم إشارات الجسم الداخلية لتشخيص الاضطرابات قبل ظهور أعراضها الخارجية. يُتيح ذلك توجيه علاجات أكثر تخصيصًا وتحسين قدرات التشخيص المبكر عبر قراءة إشارات الجسم الداخلي. ويؤكد البروفيسور شين جين أن إنشاء الأطلس سيكشف كيف يحافظ الدماغ على توازن الجسم، وكيف يختل هذا التوازن في المرض، والأهم كيف يمكن استعادته.

لا يضيف الاكتشاف إدراكًا خارجيًا فحسب، بل يعيد تعريف الوعي بالجسد ذاته ويفتح نافذة جديدة على العلاقة المعقدة بين العقل والجسد والمشاعر. تظهر هذه الرؤية إمكانات جديدة لفهم الصحة النفسية والجسدية بشكل أكثر تكاملًا. يظل الهدف الأساسي تفسير إشارات الجسم الداخلية ومساعدة الدماغ على الحفاظ على التوازن والشفاء من خلال تدخلات علاجية أكثر دقة.

شاركها.
اترك تعليقاً