يقدّم مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار تحليلًا جديدًا حول ريادة الأعمال يستعرض نتائج مؤشر ريادة الأعمال العالمي لعام 2024/2025. يرِكّز التحليل على واقع ريادة الأعمال كأداة فعّالة لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية مع إبراز السياق المصري. يركّز أيضًا على آثار الأزمات الاقتصادية التي تلت الجائحة والتحولات الرقمية على رواد الأعمال. يوضّح الإطار التنموي والفرص والتحديات المرتبطة بالتحول الرقمي للمشروعات الصغيرة وتفاوت جاهزيتها بين الدول مع التركيز على الفئات المهمشة.

نتائج المؤشر وتأثيرها العالمي

تشير النتائج إلى تصدر الإمارات العربية المتحدة الترتيب العالمي بدرجة 7.1 من 10، وتلتها ليتوانيا بمقدار 6.4، ثم تايوان والسعودية بمقدار 6.3، وجاءت الهند في المركز الرابع بمقدار 6.1، فيما حافظت كوريا الجنوبية على المركز الخامس بمقدار 6.0. وتُبرز هذه النتائج وجود بيئات داعمة لريادة الأعمال تتوافر فيها بنية تحتية مناسبة وتمويل وسياسات محفزة. كما يعكس التحليل أن التحول الرقمي وتوافر الأدوات الرقمية يساهمان في صمود الشركات وتطوير الابتكار. وفي المقابل، تشير البيانات إلى فروق كبيرة بين الدول في جاهزية التقنية ودعم الابتكار، خصوصاً في الدول النامية حيث تظل الفجوة واسعة.

تبيّن من النتائج أن ريادة الأعمال تشكل محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي والاجتماعي من خلال تعزيز التنافسية وتحفيز الابتكار وتوفير فرص عمل جديدة في القطاعات غير التقليدية. وتذكر بيانات البنك الدولي أن الشركات الصغيرة والمتوسطة تشكل نحو 90% من إجمالي الشركات وتوفّر أكثر من 50% من فرص العمل على مستوى العالم. وتساهم هذه الشركات في ما يصل إلى 40% من الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات الناشئة وتشكّل مصدرًا رئيسيًا لخلق الوظائف الرسمية. وتبرز هذه الأدوار كعناصر أساسية لنمو شامل يعتمد على الابتكار والتكامل بين القطاعات.

أظهر التحليل أن النشاط الريادي شهد تفاوتاً بين فئات الدخل خلال 2020-2022. ففي 2020 تسبب كوفيد-19 في بطء ريادة الأعمال، فلم تشهد 60% من الاقتصادات زيادة في تسجيل الشركات. وفي 2021 تعاف النشاط بشكل ملحوظ، حيث سجلت 92% من الاقتصادات ارتفاعاً في التسجيلات. وفي 2022 بلغ معدل تسجيل الشركات الجديدة في الاقتصادات ذات الدخل العالي نحو 7.3 شركة لكل 1000 بالغ، بينما لم تتجاوز الدول منخفضة الدخل 0.4 شركة لكل 1000 بالغ.

التحول الرقمي وأثره العالمي

برز التحول الرقمي كعامل حاسم في صمود الشركات وزيادة كفاءتها وتوسيع وصولها إلى الأسواق. غير أن تفاوت الجاهزية الرقمية بين الدول يعمّق الفجوة ويؤثر سلباً في قدرة رواد الأعمال على المنافسة. وأوضح التحليل أن الجاهزية الرقمية قبل الجائحة ارتبطت بقدرة الشركات على التكيف والابتكار خلال الأزمة. وتزايد الاعتماد على الحلول الرقمية يواكب استمرار التحول نحو التجارة الرقمية والاستدامة.

التمويل والابتكار في ريادة الأعمال

يُعَدّ الحصول على التمويل أحد أبرز التحديات التي تواجه رواد الأعمال، خاصة في المراحل المبكرة. ويشير التحليل إلى الحاجة إلى حلول تمويل بديلة مثل البنوك الرقمية ومنصات التمويل الإلكتروني إضافة إلى أطر داعمة متكاملة. وتبرز أهمية دمج مشروعات رواد الأعمال في النظام المصرفي الرسمي وتوفير حوافز للدمج والتمويل الملائم. وتُسهم هذه الاتجاهات في تقليل فجوات التمويل وتحفيز الابتكار والنمو.

الفجوات التكنولوجية العالمية

يشير التحليل إلى اتساع الفجوات بين الدول في البنية التكنولوجية ودعم الابتكار. فالكثير من الدول النامية تظل مورداً للبيانات دون امتلاك قدرات المعالجة وإنتاج المعرفة بسبب ضعف الاستثمارات ونقص المهارات الرقمية. في المقابل، بدأت الدول المتقدمة في تنفيذ استراتيجيات وطنية لتعزيز ريادة الأعمال الرقمية عبر برامج تدريب وبناء نظم بيئية متكاملة. وتؤكد النتائج الحاجة إلى زيادة الاستثمار في البنية التحتية الرقمية وتطوير الكوادر البشرية.

الاستدامة والحوكمة البيئية والاجتماعية

تشير التقديرات إلى أن نحو أربعة من كل خمسة رواد أعمال يأخذون في الاعتبار البعد البيئي والاجتماعي في قراراتهم. وتتصاعد اتجاهات الإفصاح عن ممارسات الاستدامة مع سعي الحكومات إلى جعل الإفصاح إلزامياً، رغم أن الاهتمام يظل مركّزاً بشكل رئيس لدى الشركات الكبرى. كما يسهم الانتقال إلى الرقمنة والتمويل غير التقليدي مثل التكنولوجيا المالية والتمويل الجماعي في تقليل الفجوات المرتبطة بالاستدامة لدى رواد الأعمال في المراحل المبكرة. وتدعم هذه التطورات قدرة الشركات الناشئة على الصمود وتلبية احتياجات المجتمع.

القطاع غير الرسمي والتشغيل العابر

يذكر التحليل أن القطاع غير الرسمي يضم نحو ملياري شخص، وارتفعت نسبة العاملين فيه من 47% في 2021 إلى 58% في 2023. وتضرر رواد الأعمال في هذا القطاع بالجائحة خصوصاً في الدول النامية نتيجة ضعف الادخار والحماية الاجتماعية وقلة الوصول إلى معلومات الدعم. ويستلزم دعم هذا القطاع حوافز للدمج الرسمي وتدريبًا في ريادة الأعمال والمهارات الرقمية وتيسير الوصول إلى المعلومات والتنظيمات والشبكات. وتؤكد السياسات الحكومية أهمية بيئة ريادية عادلة وشاملة تنشئ مسارات دمج رسمي مستدامة.

تمكين المرأة والشباب

من جانب النساء، يشير التحليل إلى أن تقليل الفجوة في ريادة الأعمال أمر حاسم لتفادي خسائر اقتصادية محتملة تصل إلى نحو 30% من الناتج المحلي الإجمالي. وتواجه رائدات الأعمال تحديات مثل القيود الاجتماعية وعدم توازن الأدوار المنزلية وصعوبات الوصول إلى التمويل وبناء الشبكات. ويمكن للحكومات دعمهن من خلال برامج تدريب وإرشاد واستثمار في اقتصاد الرعاية وتوعية الفرص ومواجهة التحيز عبر عرض نماذج ناجحة. كما أن تعزيز الرقمنة والتمويل غير التقليدي يساعد في تقليل هذه الفجوة.

الشباب وريادة الأعمال

أما الشباب، فبيّن التحليل أن معدل البطالة العالمي للشباب بلغ 13% في 2023 مقابل 4% لدى البالغين، وتزداد التحديات في إفريقيا وآسيا. ويواجه رواد الأعمال الشباب صعوبات في التمويل والوصول إلى الأسواق نتيجة نقص الخبرة والسجل الائتماني. ويمكن لبيئة تنظيمية داعمة وبرامج تمويل وتعليم ومؤسسات بحث وحاضنات أعمال تمكينهم من إطلاق مشاريع مستدامة. وتسهيل هذه البيئة يدعم مشاركة الشباب في التنمية الاقتصادية وتحفيز الابتكار.

التجربة المصرية وجهود الدولة

أعلنت الدولة المصرية أن ريادة الأعمال تشكل ركيزة أساسية في استراتيجية التنمية المستدامة، وتساعد في خفض البطالة وتحفيز الابتكار. وتؤكد الخطة أن الإطار العام للمبادرات ينسيق السياسات العامة والبنية التحتية وجودة التعليم من أجل التنمية الشاملة. وتبرز التجربة المصرية كنموذج يبرز التزام الدولة بتوفير بيئة ريادية محفزة وتدعم نمو المشروعات الواعدة. وتلتزم الجهات المعنية بتقييم مستمر وتوسيع الحلول المبتكرة لضمان الاستدامة والاتساع.

أطلقت وزارة التخطيط والتنمية الحملة “المليون ريادي” لتأهيل مليون رائد أعمال بحلول عام 2030 كجزء من رؤية مصر 2030 وتضم ثلاث مراحل رئيسة تغطي بناء نموذج عمل وتطوير الإدارة والقيادة ثم التحول إلى الإبداع وتطوير المنتجات. وتتضمن المرحلة الأولى مواضيع مثل العمل التجاري والمالية وتحويل الفكرة إلى مشروع خلال 30 يومًا. وتغطي المرحلة الثانية قضايا الاستثمار والضرائب والموارد البشرية وإدارة النمو وتطوير الفرق والتمويل واتخاذ القرار. وتركز المرحلة الثالثة على الإبداع وتحليل البيانات وتطوير المنتجات الرقمية والتسويق والبيع والتخطيط الاستراتيجي وتطوير العمل وقوانين الملكية الفكرية.

أُطلق مشروع “رواد 2030” في عام 2017 بتمويل من بنك مصر والبنك الأهلي المصري، بهدف تمكين الشباب من تحويل أفكارهم إلى مشروعات قابلة للتنفيذ ودعم ثقافة الابتكار وريادة الأعمال كعناصر محركة للتنمية المستدامة. وتُسعى هذه المبادرة إلى ترسيخ ثقافة ريادة الأعمال كمكوّن رئيس في الاقتصاد الوطني وتوفير بيئة مناسبة للنمو والدعم المستمر. كما توفر مخرجات المشروع آليات لنقل المعرفة وتطوير شبكات دعم وتمويل للمبتدئين وتساهم في تعزيز القدرات الابتكارية لدى الشباب. وتُعد هذه الجهود رافعة لإطلاق مسارات عمل قابلة للتوسع وتوليد أثر اقتصادي واجتماعي.

شملت الجهود التعليمية برامج ومبادرات بارزة مثل ماجستير ريادة الأعمال بالتعاون مع جامعة كامبريدج وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، إضافة إلى إقامة 9 حاضنات أعمال في مجالي الذكاء الاصطناعي والسياحة وحاضنة مصرية إفريقية عبر الإنترنت ومبادرات مثل “مايكرو فاكتوري” ضمن مبادرة “رواد النيل”. وتهدف هذه المبادرات إلى توفير تعليم عالي الجودة وتدريب عملي يمكّن المتدربين من تحويل الأفكار إلى مشاريع قابلة للتطبيق وبناء قدرات ريادية وطنية وتيسير التعاون بين القطاعين العام والخاص. كما سعى البرنامج إلى تعزيز العمل البحثي والتطبيقي في مجالات الابتكار والتقنيات الحديثة وتطوير القدرات البشرية والتشبيك مع الشركاء المحليين والدوليين.

أنشأ المركز مرصد “رواد ميتر” كقاعدة بيانات وطنية لمتابعة أنشطة الحاضنات وتقييم الأداء، حيث تصدر تقارير ربع سنوية تسلط الضوء على الإنجازات وتوجهات التطوير. وتتيح هذه الأداة معلومات موثوقة لصانعي السياسات والجهات الداعمة لاتخاذ قرارات أكثر فاعلية. وتُعد المرصد أداة قياس حيوية لقياس أثر الحاضنات على النمو الاقتصادي والابتكار في مصر.

تم توسيع نطاق حملة “ابدأ مستقبلك” لتشمل طلاب المدارس والجامعات، ووصلت إلى نحو 300 ألف طالب، وتدرب 1500 مدرس و10 آلاف طالب جامعي. وتهدف الحملة إلى نشر ثقافة ريادة الأعمال وبناء قدرات الابتكار لدى الأجيال القادمة وتوفير فرص عملية لتطوير الأفكار وتحويلها إلى مشروعات ناشئة. وتُسهم هذه المبادرات في تعزيز قدرات الشباب وتوسيع نطاق فرصهم في سوق العمل والابتكار.

أُنشئ جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 947 لسنة 2017 ليكون الجهة الوطنية المسؤولة عن دعم ريادة الأعمال وتنظيم القطاع. ويعمل الجهاز على تهيئة بيئة تشريعية وتنظيمية مشجعة للنمو وتنسيق الجهود مع الجهات الحكومية والجمعيات والجهات الداعمة، إضافة إلى تنمية وتطوير المشروعات وريادة الأعمال إما بشكل مباشر أو عبر الشراكات. وتؤكد هذه الجهود التزام الدولة بتحفيز قطاع ريادة الأعمال كرافعة رئيسة للتنمية المستدامة.

وتؤكد نتائج التحليل أن ريادة الأعمال تظل ركيزة استراتيجية لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق التنمية المستدامة من خلال الابتكار وتفعيل القدرات البشرية. وتستلزم تفعيل هذا الدور توفير بيئة شاملة تتكامل فيها السياسات العامة والبنية التحتية وجودة التعليم وآليات التمويل مع إيلاء اهتمام خاص بتمكين الفئات الأكثر احتياجًا. وتبرز التجربة المصرية كنموذج واعد يعكس التزام الدولة بتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويستلزم مواصلة البناء على ما تحقق من إنجازات عبر التقييم المستمر وتوسيع نطاق الحلول الابتكارية لضمان الاستدامة والأثر الواسع.

شاركها.
اترك تعليقاً