تشير التقديرات العالمية إلى أن الأمراض النفسية تشكل قضايا صحية معقدة في العصر الحديث، إذ لا تقتصر آثارها على المزاج والسلوك فحسب بل تمتد لتؤثر في العلاقات الاجتماعية والإنتاجية والصحة الجسدية. وتختلف شدّة الاضطرابات من شخص لآخر، لكن بعض أنواعها تُوصف بأنها الأخطر نظرًا لتداعياتها العميقة وصعوبة علاجها. ويُناقش هذا السياق أبرز أنواعها من منظور التأثير وسبل العلاج والدعم.
الفصام واضطراب الإدراك
يُعد الفصام من أكثر الاضطرابات النفسية تدميرًا لإدراك الواقع، إذ يعاني المصاب من هلوسات وأوهام وفقدان للقدرة على التمييز بين الحقيقة والخيال. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، يُقدَّر عدد المصابين بالفصام عالميًا بنحو 23 مليون شخص، وغالبًا ما يؤدي تأخر العلاج إلى العزلة الاجتماعية وفقدان العمل. ورغم صعوبته، يمكن للعلاج الدوائي المبكر والدعم النفسي والاجتماعي أن يساعد المريض في عيش حياة أكثر استقرارًا.
اضطراب ثنائي القطب
يُعرف أيضًا باسم الاضطراب الوجداني، ويتأرجح فيه المريض بين نوبات نشاط مفرط (الهوس) ونوبات حزن عميق (الاكتئاب). يصف الأطباء هذا الاضطراب بأنه من أكثر الحالات تحديًا في العلاج، لأن المريض قد لا يدرك خطورة حالته أثناء فترات الهوس، مما يعرضه لسلوكيات متهورة أو قرارات خطيرة. مع العلاج المنتظم بالأدوية المثبّتة للمزاج والمتابعة النفسية، يستطيع المريض السيطرة على حالته والعودة إلى حياة متوازنة.
اضطرابات الأكل
من بين الاضطرابات النفسية، تُعد فقدان الشهية العصبي من أكثرها فتكًا، إذ ترتبط بمعدلات وفاة عالية نتيجة سوء التغذية أو الانتحار. غالبًا ما يرى المريض نفسه «بدينًا» رغم النحافة الشديدة، ويستمر في رفض الطعام خوفًا من زيادة الوزن. يشير التقييم الطبي إلى أن العلاج الفعّال يتطلب تعاون فريق طبي متكامل يضم اختصاصي تغذية وطبيبًا نفسيًا ومعالجًا سلوكيًا.
اضطراب الشخصية الحدية
يعاني المصابون بهذا الاضطراب من خوف دائم من الهجر ومشاعر متقلبة وسلوكيات اندفاعية قد تصل إلى إيذاء الذات. يوصفه الأطباء بأنه من أصعب الاضطرابات النفسية في العلاج، لكنه قابل للتحسن من خلال برامج علاجية مثل العلاج السلوكي الجدلي (DBT) الذي يساعد المريض على فهم مشاعره والسيطرة عليها تدريجيًا. وتبقى الرعاية المستمرة والدعم الاجتماعي عاملين رئيسيين في تحقيق الاستقرار على المدى الطويل.
هل يمكن تجاوز هذه الاضطرابات؟
يؤكد الخبراء أن تجاوز الأمراض النفسية لا يعني بالضرورة الشفاء التام، بل التعافي المستمر عبر التكيّف والعلاج والدعم الاجتماعي. وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن معظم المرضى يمكنهم التمتع بحياة منتجة إذا تلقوا الرعاية النفسية المبكرة دون خوف من الوصمة المجتمعية. فالأمراض النفسية ليست حكمًا نهائيًا على الحياة لكنها تحدٍ يمكن مواجهته بالعلاج الصحيح والإرادة والبيئة الداعمة.