يبرز مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار تجربة الصين في مجال إنشاء المناطق الصناعية كركيزة أساسية في التنمية الاقتصادية الحديثة. يشير إلى أنها مناطق جاذبة للاستثمارات ومحفزة للإنتاج ومختبرات للسياسات الاقتصادية. وتوضح التطور أن الصين تحولت من اقتصاد زراعي إلى ثاني أكبر اقتصاد عالمي و«مصنع العالم» وقوة اقتصادية كبرى في الساحة العالمية. وتؤكد هذه المناطق قدرتها على جذب الاستثمار وتحفيز النمو ودفع عجلة الابتكار.

ومن خلال سياسات مرنة واستثمارات ضخمة في البنية التحتية وتركيز استراتيجي على الصناعات الناشئة، نجحت الصين في تحويل اقتصادها من الاعتماد على التصنيع كثيف العمالة إلى قوة عالمية في التكنولوجيا والابتكار. وجاء هذا التحول مع رفع مستوى المعيشة وتوفير فرص جديدة لملايين السكان. وأظهرت المناطق الاقتصادية الخاصة أثرها كشرارة للتحول الاقتصادي في أواخر السبعينيات، حيث أطلقت الصين تجربة تنموية غير مسبوقة. وتشير الإحصاءات إلى أن عدد المناطق التنموية بلغ نحو 2500 منطقة على المستويات الوطنية والمحلية.

نماذج رئيسية للمناطق

شنتشن تحولت منذ 1979 إلى إحدى أولى المناطق الاقتصادية الخاصة في الصين، وبدأت في استقطاب أعداد متزايدة من الباحثين عن فرص عمل. وبينما كانت بقية المدن لا تزال تبني قاعدتها الصناعية، اختارت شنتشن الانتقال باقتصادها إلى مرحلة جديدة تعتمد على الابتكار. وقد أصبحت نموذجاً لتحويل الاقتصاد من التصنيع كثيف العمالة إلى قوة إنتاجية عالية التقنية وخدمات مبتكرة. وتعزز هذه التجربة بيئة حاضنة للبحث والتطوير وتدفع باتجاه ريادة الأعمال والتكامل الصناعي.

استقر في منطقة تشانغجيانغ الصناعية في شنغهاي عدد من الصناعات الراقية بما في ذلك الدوائر المتكاملة والبيوتكنولوجيا وخدمات البرمجيات. وتضم المنطقة أكثر من 400 مؤسسة للبحث والتطوير. وهذا الدعم يعزز الصناعات الناشئة والتقنيات الحديثة ويعكس نموذجاً لربط البحث العلمي بالتصنيع المتقدم. وتعد تشانغجيانغ مثالاً على تحول مدينة كبرى إلى منظومة مبتكرة متكاملة.

أصبحت منطقة بينهاي في تيانجين منطقة اقتصادية خاصة في عام 2009 وتحتضن مبادرات ابتكارية في مجالات الرقائق الإلكترونية والعلاج بالخلايا والجينات. وتركز منطقة التنمية الاقتصادية والتكنولوجية في تيانجين على تطوير الذكاء الاصطناعي وصناعة المواد الكيميائية المتخصصة وإنشاء مراكز حديثة للبحث والتطوير. وتشكل هذه المناطق منظومة داعمة للابتكار عبر ربط البحث بالتصنيع وتوفير بنية تحتية متقدمة. وتسهم في تعزيز مكانة تيانجين كأداة تشغيلية ضمن منظومة التنمية في الشمال الشرقي.

قوانغتشو تعد مركزاً رئيساً لمستحضرات التجميل والمجوهرات والأنشطة التجارية، كما أنها منطقة حرة. وتؤدي أنشطتها إلى ربط التجارة بالابتكار وتوفير بيئة داعمة للشركات العالمية. وتمثل هذه المدينة حاضنة لاستراتيجيات التجارة الدولية وتكاملها مع الصناعات التحويلية. وتسهم في تعزيز موقع الصين في سلاسل القيمة العالمية.

نينغبو تركّز على المواد الكيميائية والآلات الكهربائية ومعدات الاتصالات وأجهزة تكنولوجيا المعلومات. وتسهم التخصصات في تعزيز قطاع الصناعات التحويلية وتطوير سلاسل الإمداد. وتسعى إلى تحسين كفاءة استخدام الموارد عبر الامتيازات الحكومية والتكامل التقني. وتدعم وجود قاعدة صناعية متقدمة في شرق الصين.

تشينغداو متخصصة في الإلكترونيات والبتروكيماويات والآلات والمنسوجات والملابس. وتسعى إلى تعزيز التصنيع المتقدم وتوطين سلاسل الإنتاج. وتوفر بنية تحتية حديثة ومراكز بحث وتطوير تدعم الشركات الصناعية. وتعزز موقعها كحلقة وصل بين سلسلة صناعة المواد الكيميائية والتقنيات الإلكترونية والملابس.

وتضم مدن مثل فوشان (بلاط السيراميك والأثاث)، ودونغقوان (معدات الاتصالات)، وييوو (السلع)، وهانغتشو (الملابس والذكاء الاصطناعي والتقنيات الخضراء). وتظهر هذه التخصصات تنوعاً في القدرات الصناعية وتكاملها مع الابتكار التقني. وتعكس تنويع المناطق في الصين قوة منظومة التنمية وتكيّفها مع التطورات العالمية.

الابتكار والتنمية عالية الجودة

وتحولت المناطق الصناعية إلى مراكز للبحث والتطوير والابتكار التكنولوجي، مع بيئة داعمة للارتباط بين البحث والتصنيع. وتحتضن HTIDZs وETDZs نسبة كبيرة من المختبرات الحكومية ومراكز الابتكار الوطنية؛ ففي 2022 شكلت 84% من المختبرات الحكومية و78% من المراكز، وتضاعفت ميزانية البحث والتطوير في العقد الأخير وتجاوزت تريليون يوان في 2021. وأسهم هذا التركيز في ارتفاع صادرات المنتجات عالية التقنية من 3.2% من إجمالي الصادرات عام 2012 إلى 24.4% في 2021. وتسعى السياسات إلى تعزيز منظومة ابتكار متكاملة عبر منصات وطنية وتعاون بين الشركات والجامعات ومراكز البحث.

وتؤكد هذه الرؤية أن الصين تستلهم تجارب عالمية مثل وادي السيليكون عبر تشونغ قوان تسون في 1988 لتطوير بيئة ابتكارية تربط البحث العلمي بالتصنيع المتقدم. وتدعم السياسات الحديثة قوى الإنتاجية النوعية الجديدة في صناعات مثل الذكاء الاصطناعي والمواد الجديدة والتصنيع المتطور. وتسعى إلى بناء منصات وطنية للابتكار الصناعي وتعاون دائم بين الجامعات والشركات ومؤسسات البحث. وتؤكد أن الابتكار الشامل يترجم التطور العلمي إلى منتجات وأسواق واقعية وتحقق منظومة ابتكار مستدامة.

التحديات والفرص

وتواجه تجربة الصين في المناطق الصناعية تحديات معقدة، أبرزها الإرث البيئي الناتج عن النمو الصناعي. كان القطاع الصناعي مسؤولاً عن أكثر من ثلثي التلوث الإجمالي في 2017 وتبقى نسبة الحدائق الخضراء منخفضة. كما أن الأتمتة تهدد نسبة من الوظائف وتثير مخاطر على الأجور والمهارات لدى العمالة منخفضة المهارة وكبار السن. وتظهر فجوات في تنفيذ السياسات وتراجع أثرها بسبب الضغوط قصيرة الأجل على الحكومات المحلية.

وتفتح فرص جديدة مع تبني القوى الإنتاجية النوعية الجديدة في صناعات مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة والمواد المتقدمة. وتشير البيانات الأولية إلى أن قيمة عقود الإنشاءات بلغت 66.2 مليار دولار، والاستثمارات 57.1 مليار دولار، كما أن الصين تشارك مع 150 دولة ضمن المبادرة. وتدعم المدن الذكية والتحول الرقمي وتطوير المواهب وتصدير التقنيات الخضراء. وتؤكد الرؤية أن الابتكار المستمر والتعلم التنظيمي يحول التحديات إلى فرص.

المسار نحو التنمية المستدامة

تؤكد الرؤية أن الصين ستواصل تحويل المناطق الصناعية إلى محاور عالية الجودة مدعومة بالابتكار والاستدامة والتكامل مع التنمية الحضرية. وتتضمن خططاً لبناء مدن إسفنجية توفر امتصاص مياه الأمطار وتخفيض مخاطر الفيضانات، وتوسيع المساحات الخضراء وتبني معايير البناء منخفض الكربون بحلول 2025. وتهدف إلى تعزيز قدرة المناطق الصناعية على الانتقال من مجرد إنتاج إلى منظومة ابتكار شاملة تعمل على ترجمة التطورات العلمية إلى منتجات وخدمات قابلة للتسويق.

شاركها.
اترك تعليقاً