يؤكد الدكتور محمد المهدي أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر أنه في الآونة الأخيرة تكررت جرائم بشعة يقترفها أطفال ويكون فيها الضحايا أطفالاً آخرين أو فتيات. ويذكر أمثلة محددة حيث يستدرج طفلان طفلة أصغر ويأخذانها إلى أعلى عمارة فيحاولان اغتصابها ثم يسقطانها، وأخرى قتل فيها طفل عمره 13 عامًا صديقه وقطع جثته وأكل أجزاء منها. وتؤكد هذه المشاهد صدمة الرأي العام وتغير الصورة الرومانسية للطفل من البراءة والطهارة إلى صورة أقرب إلى الوحشية، مما يدفع بعض الأصوات إلى المطالبة بتوقيع أقصى العقوبات عليهم. كما أشار إلى عامل إضافي يساهم في تفاقم الظاهرة وهو الاعتماد المفرط على الألعاب الإلكترونية التي يقضي فيها الطفل ساعات طويلة، وتحتوي غالباً على مشاهد عنف وقتل وتدمير.

ويشير إلى أن الألعاب العنيفة التي يقضي فيها الطفل ساعات طويلة تشكل عاملاً مساعداً، فغالباً ما تتضمن مشاهد قتل وتدمير وتشعر الطفل بالنشوة عند تحقيقه النصر على خصومه وتقل لديه الإحساس بالدماء. كما يرى أن ما يتابعه الطفل عبر التليفزيون أو اليوتيوب من مسلسلات وأفلام يتضمن عمليات قتل وتقطيع، وربما يقلده في حياته الواقعية وهذا ما يسميه التعلم بالنمذجة. ثم يذكر وجود ألعاب التحدي عبر الإنترنت مثل لعبة الحوت الأزرق التي تتدرج بتوجيهات متتالية يصل الأمر بها في مرحله معينة إلى الانتحار أو القتل، وهو أمر يستدرج الطفل إلى الاستجابة بسبب الرغبة في الإطراء والتحدي. كما أشار إلى وجود الإنترنت العميق الذي يعرض مشاهد عنف بمبالغ كبيرة ويحث على نشرها، وهذا كله يساهم في تشكيل مسارات دماغية قد ترى المستقبل بسلوكيات أشد قسوة.

الإطار القانوني والديني والتدابير المقترحة

ويشير إلى أن القانون المصري وكثير من القوانين العالمية يحدد سن الطفولة حتى ثمانية عشر عامًا، وتترتب على ذلك تكييف المسئوليات والعقوبات بحيث تنتفي عقوبة الإعدام وتقل أو تستبدل بعقوبات إصلاحية أو بالإيداع في دور الرعاية. وتتزايد المطالبات بأن تكون العقوبات متدرجة وتتناسب مع مستوى الوعي ونضوج المتهم. وتُعنى هذه الأحكام بإعادة التأهيل والتقليل من الانتقام كهدف رئيسي للجزاء.

ويؤكد أن هذا يعكس الاعتبار بأن النضج الإدراكي والتفكير ليست متاحة دائماً عند الأطفال دون الثامنة عشرة. ولكنّه يشير أيضاً إلى أن تكرار الجرائم البشعة تقود بعض الأصوات إلى المطالبة بتشديد العقوبات، وهو موقف تقاومه جمعيات حقوق الطفل.

الإطار الديني والتصورات الأخرى

وفي الشريعة الإسلامية، كما في شرائع دينية أخرى، لا تُحدد المسؤولية بسن 18 عامًا بل بتأكد البلوغ والوعي والتمييز والقدرة على ضبط النزعات، ويكون الحكم وفق مدى إدراك الجرم وخطورته ووجود القدرة على التحكم في الأفعال. كما يعتبر هذا المخرج الشرعي والقانوني خياراً مناسباً يتيح للقاضي تطبيق العقوبة المناسبة في الجرائم التي تتسم بالقصد والتعمد والوحشية، من دون إغفال المصالح الاجتماعية.

وتؤكد الأسس العلمية أن العقوبات وحدها لا تكفي، بل يتطلب الأمر دراسة أسباب تفشي الجريمة في هذه الفئة وتحديد دور الأسرة والمدرسة والمؤسسات الدينية والإعلامية والإنترنت في تشكيل السلوك. ويشدد على ضرورة مراجعة أساليب التربية والدعم النفسي والاجتماعي وتطوير وسائل الإعلام والتربية الرقمية للوقاية من التطورات السلوكية المستقبلية.

شاركها.
اترك تعليقاً